إذا انطلقنا من قاعدة أن الشعب هو المعني الأول بنتائج الجدل الدائر حول موعد الانتخابات، فإنه يمكننا ان نصرخ في وجه الحكومة وكل أطراف العملية السياسية ان الشعب يريد أن يفهم... حتى يطمئن اذا فهم... ولكي يفهم الشعب فلا بد من مصارحته... ولابد من مكاشفته ومن كشف كل الأوراق أمامه... لأن أي خيار سترسو عليه الأمور لن يكتب له النجاح الا اذا حاز على تأييد الشعب، وإذا تعبّأ حوله الشعب. وإذا كنا نفهم أن الاعتبارات التقنية واللوجستيكية تجعل إقامة الانتخابات في موعدها المعلن (24 جويلية) أمرا مستحيلا... وإذا كنا نريد أن ينكب الجميع على العمل استعدادا للموعد الجديد (المعلن) 16 أكتوبر (او اي موعد قد تبلوره مشاورات وحوارات الكواليس)، فإن المطلوب هو وضع رزنامة دقيقة وواضحة... وفق محطات وخطوات معروفة سلفا ومحددة مواعيدها... على أن تطرح أمام الشعب بمثابة الوديعة التي يلتزم بها الجميع اخلاقيا وسياسيا... والتي تتجند كل الجهود والطاقات لانجازها وانجاحها... حتى يكون الشعب على بينة من أمره وعلى دراية بمفاتيح مصيره... وحتى يتسنّى له ولمكونات المجتمع المدني ان تتحرك في الابان وتدعو الى اعتماد الخطوات او الاجراءات التصحيحية اللازمة قبل فوات الأوان و«وقوع الفاس في الرأس» (كما يقول المثل) مثلما حصل اثر موقف الهيئة العليا للانتخابات عند اعلانها تأجيل الموعد لعدم كفاية الوقت... مع أن كل الضغوط والمحاذير والصعوبات كانت معروفة وبيّنة ومكشوفة حتى قبل انتخاب اعضاء الهيئة. وهو ما كان يفترض الخوض صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة ومع الحكومة في حوار نزيه ومسؤول حول السيناريوهات الممكنة التي تراعي الزمن المتبقي والامكانات والاعتبارات التقنية واللوجيستيكية قبل أن نصدم الشعب بهذه التجاذبات والحقائق التي لا شيء يضمن الا تتكرر قبيل موعد 16 أكتوبر أو أي موعد قد يتم التوافق عليه. ان العملية السياسية هي شأن تونسي يخص الشعب التونسي أولا وأخيرا... وهي ليست عبارة عن مباراة تجرى بدون حضور الجمهور حتى ينخرط اطرافها في «التراشق» بالحجج والحقائق في غياب شبه مطلق للشعب صاحب الشأن... وبالتالي فإن ما حصل حتى الآن يكفي والمطلوب الآن التشاور والتوافق على موعد نهائي يضبط بخارطة طريق ملزمة للجميع.... وعلى كل طرف لا يريد الالتزام بها ان يفسح المجال لغيره... والبلد يزخر بالطاقات والكفاءات... حتى لا نجد أنفسنا أسرى لعبة التأجيل الى ما لا نهاية مع ما يلقي به هذا الوضع من ظلال ومن تهديدات ومن مخاطر على أمن واستقرار البلاد... وهو ما لا يجب ان يغيب على أحد.