بقلم فاطمة بن عبد الله الكرّاي اليوم عيد الأم، وفي البال أمّ الشهيد التي دفعته دفعا من أجل عزّة تونس.. دفعت أم الشهيد في كلّ فيافي تونس وقراها.. قرّة العين لكي ينبلج الصبح ذات يوم.. 14 جانفي 2011.. اليوم عيد الأم.. وما كنت أتصوّر أو أتخيّل، وأنا أكتب مثل هذه الأسطر في مثل هذا الأحد الأخير من شهر ماي الماضي (2010) أن تكون حلقة هذه السنة وإهداءاتها، بمناسبة عيد الأم، حلقة منطلقة من تونس.. تونس الثورة التي رافقت فيها الأم أبناءها.. الى ساحة الاحتجاج على الدكتاتورية والظلم.. في ذكرى عيد الأم.. اليوم نستذكر أمّ المنفيّ.. وأمّ السّجين.. وأمّ المعذّب في سجون العهد السابق.. والعهد الأسبق.. أمّ تعذّبت لعذابات أبنائها المناضلين.. فاعتبرت نفسها، وفي لحظة ما من هذه الزمن، أنها ليست أقلّ من الأمّ الفلسطينية.. أو الأمّ العراقية.. التي تدفع بأبنائها نحو الشهادة في سبيل عزّة الوطن.. وكرامة الأمّة. نعم، المعركة واحدة، وإن اختلفت ساحاتها.. وساعة الحسم لدى هذا وذاك.. الأم في تونس، بقيت على العهد، فمنها من رافقت أبناءها نحو ساحة الحوض المنجمي تحتجّ وتبلور الشعارات من أجل كسر الطّوق على الفساد الذي استشرى.. والعذاب الذي طال أبناء المنطقة.. ومنها كذلك، الأم التي رافقت أبناءها بتؤدة.. وهم يبحرون عبر «الأنترنيت» والمواقع الاجتماعية، يؤمّنون المعلومة ويدفعون بالشعار تلو الشعار من أجل تحرير تونس.. اليوم عيد الأمّ، ونحن نستذكر الأم التونسية، التي ساهمت باقتدار في تحقيق ثورة تونس، من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى غرب البلاد.. نشيد كذلك وكما كلّ عام بالأم الفلسطينية التي لا تزال تكابد على خطّ النار.. تنتظر السجين حتى يتحرّر.. وتذرف دمعة على الشهيد الذي قضى من أجل تحرير الوطن.. قلب الأمّة.. وطليعة الثورات العربية.. وتدفع في الآن نفسه بشباب الانتفاضة من أجل استكمال مشوار الثورة، الذي ظنّ الأعداء أنه أُخْمدَ.. وأُسْكتَ.. جاءت ثورة تونس.. وثورة مصر.. لكي تعلنا الهبّة، التي دونها والنّصر.. لن يكون اليوم كالبارحة.. ولن يكون عيد الأمّ هذا الأحد.. ككلّ الأعياد والمواعيد الفائتة.. الأمّة في حراك.. من أجل الانعتاق والتحرّر.. من أجل الكرامة الوطنية.. والكرامة القومية.. والكرامة الانسانية.. في ذكرى عيد الأمّ.. رحمة على من غادرتنا دون أن ترى تونس تتحرّر.. وقد كانت ترافقنا على درب النضال.. وتدعو لنا بنجاح المهمّة.. الى كلّ الأمهات اللائي غادرن هذا العالم.. ولم تشهدن أنوار الحرية تضيء تونس التي أحببنها.. وأحببن ثورة أبنائها على السّائد.. دون أن يحضرن موكب التحرير.. في ذكرى عيد الأمّ.. قبلة على جبين كلّ أمّ جسّدت الشرف.. والعزّة.. ومقتت الفساد.. ومعاداة أعداء الحرية.. وهنّ كثّر بيننا.. في ذكرى عيد الأمّ.. لا يسعني إلا أن أستذكر ماجدات العراق.. في السجون وفي المستشفيات.. وأذكر تحديدا، وكما كلّ سنة من نفس هذا الموعد.. الدكتورة هدى عمّاش والدكتورة رباب طه الرّشيد.. سجينتا الاحتلال الأمريكي.. وعالمتا الأمّة اللّتين أرادتا اقتفاء خطى فاطمة الفهريّة وعزيزة عثمانة في تونس.. نساء العلم والمعرفة.. الى الأمّ القابضة على الجمر.. تربّي أطفالها على العلم والنّور.. وتقطع مع الظلام والتأخر.. نهدي أجمل باقة ورد.. ولكن في هذا اليوم بالذات، نعيد التذكير أننا نستثني كل «أمّ» لا تملك خصال الأمومة.. من أولئك المنتميات الى قوى الاحتلال العسكري في فلسطين وفي العراق.. وفي ليبيا.. لأن عيد الأم.. هو عيد الشرف.. وعيد العطاء.. وعيد الحرية.. وعيد الكرامة.. والمستثنيات من هذا العيد هنّ بلا شرف.. وبلا عطاء.. ويمقتن الكرامة والحرية.. لأنهنّ قتلنها كقيم في مقتل.. و«كلّ ثورة.. واحنا دائما فرحانين»..