محسن الطرابلسي رئيسا جديدا للنادي الإفريقي    وزارة الدفاع تنتدب تلامذة ضباط صف بجيش البحر    "اليونيدو" والوكالة الايطالية للتعاون من أجل التنمية توقعان اتفاقا لتمويل مشروع "تونس المهنية " بقيمة 5ر6 مليون اورو    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    قبلي: اجراء 37 عملية جراحية مجانية لازالة الماء الابيض في اطار اليوم الوطني الاول لصحة العيون    كرة اليد: منتخب الاصاغر ينسحب من ربع نهائي المونديال    تعمّيم منصة التسجيل عن بعد في 41 مكتبا للتشغيل بكامل تراب الجمهورية    الكاف: لأول مرة.. 20 عملية جراحية لمرضى العيون مجانا    أردوغان: متفائلون بأن النصر سيكون إلى جانب إيران    7 مؤسسات ستنتفع بامتياز تكفل الدولة بفارق الفائدة على قروض الاستثمار..وهذه التفاصيل..    وزير السياحة: التكوين في المهن السياحية يشهد إقبالاً متزايداً    جندوبة: وزير السياحة يتابع استعدادات الجهة للموسم السياحي ومدى تقدّم عدد من المشاريع السياحية والحرفية    قبلي: حادث مرور يودي بحياة جزائري وإصابة مرافقه    ميناء جرجيس… رصيد عقاري هام غير مستغل ومطالب باستقطاب استثمارات جديدة    عاجل/ ترامب يمهل ايران أسبوع لتفادي الضربات الامريكية المحتملة..    جامعة تونس المنار تحرز تقدما ب40 مرتبة في تصنيف QS العالمي للجامعات لسنة 2026    هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء النفسيين؟    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    عاجل/ الداخلية الليبية تؤكد تعرض عناصرها الأمنية لهجوم مسلح داخل طرابلس..    القصرين: بطاقات إيداع بالسجن في قضية غسيل أموال مرتبطة بالرهان الرياضي    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    وفاة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب في المغرب    رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق: الولايات المتحدة ستغرق إذا ضربت إيران    الوجهة السياحية جربة جرجيس الأولى وطنيا وتوقعات بتسجيل أكثر من مليون زائر    كاتس يعلن تصفية قائد إيراني وموجة صواريخ إيرانية جديدة    مدنين: اختصاصات جديدة في مهن سياحية وانفتاح على تكوين حاملي الإعاقة لأول مرة    طقس السبت.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    الاحتلال يضرب وسط إيران.. قصف مبنى في قم وانفجارات في أصفهان    طقس اليوم السبت: أجواء صيفية مستقرة على كامل البلاد    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    ردّ فعل رسمي وعاجل من وزارة الخارجية بعد العثور على جثة عبد المجيد الحجري بستوكهولم    إغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري الإيراني    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    كأس العالم للاندية.. الترجي ينتصر على لوس انجلوس الامريكي    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    بين طموح التميز وشبح الإقصاء .. النموذجي... «عقدة » التلاميذ !    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    التشكيلة المحتملة للترجي أمام لوس أنجلوس    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنعاش الذاكرة في شهر الشهادة والاستشهاد :فيض العطاء الفلسطيني المتواصل
نشر في الفجر نيوز يوم 14 - 04 - 2008


إنعاش الذاكرة في شهر الشهادة والاستشهاد :
فيض العطاء الفلسطيني المتواصل
وقفة يفترضها الوفاء للشهداء الكبار أحرص على تجديدها في "نيسان" من كل عام!!
عندما يصطدم الإعلامي العربي بالحقيقة ويرى أن النظام الرسمي في وطنه قد بلغ من العجز والتخاذل مدىً بات من المتعذر معهما استمرار المراهنة عليه في إمكانية التصدي عملياً أو لفظياً لغطرسة الإرهاب الصهيوني والاستكبار الأميركي المُتصلين بالوطن العربي عامةً وفلسطين والعراق خاصة، يُصبح من حقه لا بل من واجبه الوطني والقومي أن يُبقي يده متحفزة على"زناد" قلمه تماماً كما يُبقي المقاتل يده متحفزة على زناد بندقيته، ويظل هذا كما ذاك في حالة استنفار دائمة، تمكنه من الدفاع عن قضايا الأمة بتدوين الصفحات تلو الصفحات حول السير الذاتية الأسطورية لشهداء القضية الأبرار الذين يتساقطون زرافاتٍ ووحدانا نتيجة هذا الإرهاب الإجرامي الذي عادة ما يتخندق وراء ذلك الاستكبار وتوثيقها وحفظها في"موسوعة الشهادة والاستشهاد"، لتسهل مهمة توريثها من جيل عربي إلى جيل عربي آخر بما في ذلك الأجيال الفلسطينية طبعاً، بدون تزييف أو تزوير أو تدليس.
وهل يا تُرى ثمة فارق أو تباين يُذكر بين الإعلامي والمقاتل، طالما أن كليهما مُعرضان للشهادة والاستشهاد في كل لحظة وطالما أنهما يحملان نفس الرسالة ويتبنيان نفس العقيدة ويدافعان عن نفس القضية ويقاتلان من أجل نفس الهدف؟ وهل من فارق أو تباين حقيقي بين الاثنين في غير نوعية السلاح الذي يستعمله كل منهما والذخيرة التي يحشو بها كل منهما هذا السلاح؟! وهل شفع ذلك الفارق أو التباين، إن وجد أحدهما، لإعلامي دون مقاتل أو لمقاتل دون إعلامي عند العدو؟
فكم من العقول والأقلام والرموز الثقافية الفلسطينية استهدفها الإرهاب الصهيوني، تماماً كما استهدف المقاتلين والكوادر والقادة السياسيين والعسكريين!! وهل من مرة واحدة ميز أو فرّق فيها بين المسلحين والمدنيين العُزل، أو بين الأطفال الرضع والنساء والشيوخ، الأصحاء والمقعدين منهم؟ ألم يستهدف السياسيين والعسكريين من شعب الجبارين في كل مكان فلسطيني وزمان فلسطيني دون ما تمييز أو تفريق؟ وألم يستهدف الحجر والشجر والحرث والزرع والنسل وباطن الأرض وأديمها والماء والهواء وكل البحر والفضاء في فلسطين؟ وألم يحول كل هذه منفردة أو مجتمعة إلى أهدافٍ عسكرية استراتيجيةٍ لجيشه وعصاباته وآلة بطشه وجبروته وفاشيته بزعم " الضرورات والمقتضيات والدواعي الأمنية" للكيان الصهيوني العنصري القائم فوق ثرى فلسطين منذ عام 1948، بمنطق القوة ودبلوماسية البوارج والقاذفات الصاروخية!!
في زمن الانبطاح العربي هذا الذي أوغل فيه الإرهاب الرسمي الصهيوني، تحت مظلة الاستكبار الأميركي الذي دخل اختطافه غير الشرعي للعراق عامه السادس، في ارتكاب جرائمه البشعة والنكراء ضد الفلسطينيين خاصة والعرب عامة، أقبل علينا شهر نيسان هذا العام بكل ما حملته جعبته واختزنته ذاكرته من قوافل الشهداء الفلسطينيين الأبرار الذين سقطوا على مدار العقود الستة الماضية من عمر الاغتصاب الصهيوني لفلسطين.
وهل بين الفلسطينيين "في حلهم وترحالهم" من نسي أو غاب عن باله ولو للحظة واحدة مسلسل المجازر والمذابح وعمليات الاغتيال التي ارتكبها جزارو وسفاحو الكيان الصهيوني بحق شعب فلسطين على المستويين الجماعي والفردي في شهور تلك الأعوام كلها وبالخصوص الشهور النيسانية منها؟
ومَن مِن هؤلاء المظلومين والمضطهدين دائماً وأبداً دون ذنب اقترفوه غير حب الوطن والوفاء له قد نسي أو غاب عن خاطره ولو لبرهة قصيرة أو لمحة بصر خاطفة جرائم عصاباتي "شتيرن" و"الهاغاناة" وغيرهما من العصابات الصهيونية الإرهابية المنظمة وغير المنظمة قبل نكبة عام 1948 الكبرى وأثناء وبعد حدوثها وصولاً إلى زمن الانحطاط والردة هذا، وبالأخص جرائم رجال جهاز الموساد سيئ الذكر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين الأبرياء في شتات الداخل والخارج؟
مجازر ومذابح بربرية وصلت حدود الإبادة الجماعية وجرائم اغتيال جماعية وفردية لا أخلاقية ولا إنسانية كبيرة لا حصر ولا وصف لها إلا في قواميس التتار والمغول والنازيين ارتكبها الجزارون والسفاحون الصهاينة بحق الفلسطينيين خاصة والعرب عامة منذ عهد الإرهابي بن غوريون حتى عهد الإرهابي أولمرت الحالي، مروراً بعهد الإرهابي الأكبر آرئيل شارون وعهود من سبقوه من كبار الإرهابيين الصهاينة. شلالات من الدماء الفلسطينية الطاهرة سفكها الإرهاب الرسمي الصهيوني الإجرامي على مدار 60 عاماً من الاحتلال القهري المتواصل.
مسلسل دموي صهيوني بغطاء استكبار أميركي ما تزال حلقاته مستمرة حتى اللحظة الراهنة، يتقاطع مع مسلسل دموي آخر يعيش العراق حلقاته الجهنمية المستمرة أيضاً على أيدي المحتلين الأميركيين والبريطانيين الأفاكين للعام السادس على التوالي.
مع ولوجنا شهر نيسان هذا العام ترانا كما في الأعوام السابقة نعيش أيامه بكل ما تستدعيه من مستلزمات التأمل والاستنفار وما تفترضه من متطلبات الحيطة والحذر، لما لها وما عليها من مخاطر وتبعات سلبية محتملة. ونحن بدورنا نرى أنفسنا مدفوعين بل مندفعين تلقائياً ومن باب الوفاء لإنعاش ذاكرتنا باسترجاع شريط تلك المجازر والمذابح وجرائم الاغتيال التي دفع فيها الشعب الفلسطيني من دمه الذكي والغالي الكثير من أجل أرضه المباركة وقضيته المقدسة، جراء صنوف وأنواع الإرهاب الصهيوني التي مورست ضده ولم تزل تُمارس حتى أيامنا هذه.
ونحن نعيش هذه الأيام بحلوها ومرها، نستذكر القسطل ودير ياسين وفردان وسيدي بوسعيد والسارة وغيرها الكثير، ونستذكر أرواح الشهداء الأبرار الذين سقطوا في شهور نيسانية مماثلة اصطُلح على تسميتها فلسطينياً شهور البذل والعطاء والشهادة والاستشهاد من أجل الشرف والكرامة وحرية الأرض والإنسان، لكثرة الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا خلالها وبالأخص على المستويات القيادية. ونستذكر أرواح الشهداء عبد القادر الحسيني وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وكمال ناصر وخليل الوزير "أبو جهاد" والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والعقيد طيار محمد درويش والعقيد طيار غسان ياسين والمهندس طيار ثيودوروس جيورجي. نستذكر أرواح ثمانية عشر شهيداً أبت أرواحهم إلا أن تهاجر من الأرض الفلسطينية المحتلة لتعانق روح "أمير الشهداء" يوم وصلت يد الغدر الإرهابي الصهيوني إلى جسده الطاهر في العاصمة التونسية، وتُزف معها في عرس شهادةٍ ما بعدها شهادة. نستذكر أرواح هؤلاء الذين قالوا للكيان الصهيوني لا وألف لا، لن تموت جذوة الانتفاضة المباركة مع اغتيال "أمير الشهداء". نستذكر أرواح الشهداء الثلاثة الذين قضوا دفاعاً عن "الأمير" والقضية، مصطفى وحبيب التونسي وأبو سليمان.
وحتى لا يؤخذ علي مأخذ النسيان أو"التجاهل المتعمد لا قدر الله" وحتى لا أقع تحت طائلة لوم نفسي قبل لوم الآخرين لي ، أرى أن من العدل والإنصاف استذكار أرواح كل الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين وصلتهم يد الغدر الصهيونية والأميركية والبريطانية خلال شهور نيسان والشهور الأخرى وعلى مدار أعوام الصراع العربي الصهيوني الستين وأعوام أسر العراق الخمسة.
لكن اقتصار الحديث على هذا الشهر اللعين يستدعي مني التوقف فقط عند رموز قياديةٍ كبيرةٍ ومميزة كان شغلها الشاغل وهمها الأول الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني من أجل خدمة القضية المقدسة ولم تفكر ولو للحظة عابرة بتقديم "الأنا" أو المصلحة الذاتية أو الحركية على المصلحة الوطنية الفلسطينية والمصلحة القومية العربية، استهدفها الإرهاب الصهيوني في شهور نيسانية لعينة سابقة.
فالحديث عن القائد الشهيد عبد القادر الحسيني يعيدنا بالذاكرة إلى الوراء ستين عاماً. يعيدنا إلى تاريخ استشهاده في معركة القسطل في 8 نيسان 1948. ويعيدنا أيضاً إلى أيام بالغة الظلمة والسواد، أفرطت خلالها عصاباتا "شتيرن" و"الهاغاناة" الإرهابيتان في عدوانهما النازي والفاشي ضد المواطنين الفلسطينيين لغرض ترحيلهم والاستيلاء على أراضيهم، فارتكبتا من المجازر والمذابح الجماعية ما لا يُعد ولا يُحصى وما يندى لها جبين الإنسانية. ومن بين تلك المجازر كانت مجزرة دير ياسين التي حدثت في 9 و10 من ذات الشهر والعام والتي اغتال الصهاينة الأنذال فيها جميع أبناء البلدة إلا من نجا منهم بأعجوبة ، في واحدةٍ من أسوأ عمليات الإبادة الجماعية .
والتوقف عند 10 نيسان 1973 يذكرنا بذلك اليوم الذي تمكن فيه الإرهاب الصهيوني النازي بواسطة مجموعات مجرمة تابعة لجهاز "الموساد" من اغتيال ثلاثة من القادة الفلسطينيين الكبار في شارع فردان في قلب العاصمة اللبنانية بيروت هم كمال عدوان وأبو يوسف النجار وكمال ناصر.
فقد كان الشهيد القائد كمال عدوان واحداً من أهم وأبرز الإعلاميين إن لم يكن أهمهم وأبرزهم. وكان الحريص الدائم على أن تتعانق الكلمة الحرة مع البندقية الحرة. رأى العالم من خلال القضية الفلسطينية، وكان القائل، وصَدَقَ قوله، "حتى تكون قومياً وحتى تكون أممياً لا بد أن تكون فلسطينياً أولاً". أتقن فن الثورة ودرب الآخرين على إتقانه وممارسته. أصدر جريدة "فتح" من قلب المعركة عندما تطلبت الضرورة ذلك.
وكان الشهيد القائد أبو يوسف النجار "السهل الممتنع" في مرونته وتصلبه. أما شعاره الثابت والدائم فكان "الحق أولاً والمبدأ أولاً". ومثل أبو يوسف النجار نموذجاً لجيلٍ فلسطينيٍ كاملٍ عَبَرَ عنه بنقاء ثوري أصيل.
أما "ضمير الثورة" الشهيد القائد كمال ناصر فقد أحبه جميع الثوار كما أحبهم، وكان لحركة فتح كما كان لجميع فصائل المقاومة الفلسطينية. كان أديباً وشاعراً ومفكراً، وكان إنساناً بكل معاني الإنسانية النبيلة. حبّب القتال إلى قلوب الجماهير فأصبحت الجماهير الحاضن الأمين والحُضن الآمن والدافئ لفكر المقاومة وممارساتها. وكان حريصاً على الوحدة الوطنية الفلسطينية وعمل من أجلها. سُمي "ضمير الثورة" لما مثّله من قاسمٍ فكريٍ وسياسيٍ مشتركٍ بين جميع فصائل المقاومة، مع تعدد نزعاتها الفكرية والسياسية.
وما من أحد عرف أمير الشهداء القائد الرمز خليل الوزير"أبو جهاد" إلا واحترمه وأحبه، وأنا كنت واحداً من هؤلاء وهم كُثر جداً في الأوساط الفلسطينية والعربية والإسلامية. فما أقوله أنا وغيري عن الأمير الشهيد القائد لا يُمثل جزءاً يسيراً مما اتصف به من نُبل وعُرف عنه من أخلاق حميدة ومسلك مُشرف. ولا أبالغ حين أقول أنني مهما اخترت له من الصفات النبيلة والكريمة والإنسانية الشائعة والجديدة لن أوفيه بعض ما استحقه في حياته وما يستحقه في مماته، وهو أكثر بكثير.
لقد كان "أبو جهاد" قائداً بكل معاني الكلمة، وما أحوجنا لأمثاله وأمثال إخوانه الذين عاصروه وقضوا قبله وبعده في هذه الأيام العصيبة والظرف الدقيقة والخطيرة التي تمر بها القضية الفلسطينية وكل قضايا الأمة الوطنية والقومية. وصلت يد الإرهاب الصهيوني المجرم إلى جسده الطاهر في 16 نيسان 1988 فاغتالته مع ثلاثةٍ من مرافقيه بعد معركةٍ غلب عليها طابع الغدر في ضاحية سيدي بوسعيد التونسية.
ويوم اغتال الكيان الصهيوني الشهيد الكبير الذي سُميت "دورة الانتفاضة" للمجلس الوطني التي انعقدت في مدينة الجزائر في تشرين الثاني 1988، اعتقد أنه بذلك الاغتيال سيتمكن من اغتيال الانتفاضة المباركة. لكن وفاء أبنائها للقائد والقضية التي قضى من أجلها زاد الانتفاضة اشتعالاً وتوهجاً، إلى أن جاءت "أُوسلو" اللعينة فاغتالتها بالإنابة.
أما القائد السابق في قطاع غزة الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، فقد وصلت إليه يد الغدر والإجرام الحاقدة عندما قصفت الطائرات الحربية الصهيونية أميركية الصنع مساء 17 نيسان 2004 سيارته، فعانقت روحه الطاهرة أرواح جميع شهداء فلسطين الأبرار الذين سبقوه. حدثت جريمة اغتيال الرنتيسي بعد 25 يوماً فقط من جريمة اغتيال ملهمه وقدوته المغفور له الشيخ أحمد ياسين الذي سقط في حينه مع اثنين من مرافقيه هما الشهيدان أكرم نصار وأحمد الغرة. ومسيرة القائد الرنتيسي المميزة نسخة مشرفة عن مسيرة ملهمه وقدوته، تجعلنا هي الأخرى أعجز من أن نذكر كل صفاته ومآثره الكريمة في كلمات أو سطور قليلة.
وكلا الرجلين، القائد والقدوة، حرصا على الوحدة الوطنية الفلسطينية وعملا وقضيا من أجلها ومن أجل وحدة الشعب والأرض والقضية، ولربما أنه لو كتب لهما أن يحيا أطول لما حدث ما حدث، ولما كان ما كان، ولما وصل الحال إلى ما وصل إليه، ولما فُرض على قطاع غزة أن يدير ظهره للضفة الغربية وقلبها مدينة القدس المباركة ويتباعد عنهما.
اقتصار حديثي على ستة فقط من القادة الرموز الكبار في مسيرة النضال والاستشهاد الفلسطينيين وفي مسيرة الوحدة الوطنية الفلسطينية لا يقلل أبداً من شأن وقيمة الشهداء الأبرار الآخرين. فكلهم شهداء القضية النبيلة، من أصغر طفل رضيع وامرأة وشيخ مسن حتى أكبر قائد فلسطيني، وكلهم تتمزق قلوبنا ألماً وحسرةً على فراقهم . فقوافل سبقت وأخرى تنتظر والعطاء مستمر. لكن "نيسانية" الموقف افترضت التوقف عند هؤلاء القادة للتدليل على فيض العطاء الفلسطيني، بانتظار وقفات أخرى قادمة.
إنه قدر فلسطين وشعبها أن يُلازمهما على الدوام حصادٌ دموي"نيسانيٌ" يعقبه حصاد بعد حصاد. مسلسل من الحصاد الدموي المستمر والمتواصل. فالإرهاب الصهيوني بشتى أشكاله وصوره الهمجية والمقززة مستمر ومتواصل، وفيض العطاء الفلسطيني من أجل الأرض والإنسان والقضية بشتى أشكاله وصوره النبيلة والمشرفة مستمر ومتواصل هو الآخر. ولنا في كل يوم وأحياناً كثيرة في كل ساعة أو لحظة شهيد بل عشرات الشهداء، و"موسوعة الشهادة والاستشهاد" التي استوجبتها النكبة الكبرى لتخليد الدم الفلسطيني الطاهر تبقى مشرعة الأبواب ومفرودة الصفحات لاستقبال سير جديدة لكواكب من الشهداء الجدد ينضمون إلى إخوان ورفاق لهم سبقوهم إلى شرف الشهادة، إلى أن تتم العودة ويتحقق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة ويعترف العالم كله بالمدينة المقدسة عاصمة لها.
رحم الله كل شهداء فلسطين والأمتين العربية والإسلامية. والحديث عن الشهداء والشهادة والاستشهاد متواصل، طالما أن العطاء الفلسطيني متواصل.
نيسان 2008‏‏
كاتب وباحث مقيم في الدانمرك
المصدربريد الفجرنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.