الدكتور منصف المرزوقي، شخص يراه العديدون صاحب خصال منفردة وضعتهُ منذ سنوات فارطة على قائمة أبرز السياسيين المعارضين لحكم الرئيس بن علي، حيث كان الوحيد ومنذ سنة 2001 الّذي رفع ودون تعديل أو تردّد أو نكوص أو خوف أو رهبة مقولة «هذا النظام لا يصلح ولا يُصلح» في دلالة للقطيعة الكاملة والنهائيّة وتغييب أيّة فرصة للرهان على المسار الإصلاحي، تمسّك بها رغم كلّ شيء ولم يتخلّ عنها مُطالبا ملحّا مؤكّدا على أنّ الخروج بتونس من عنق الأزمة هو رحيل بن علي مقترحا لذلك مبادئ عديدة من أبرزها «المقاومة السلميّة» والاحتجاجات الدائمة الفاضحة لكلّ الانتهاكات والتجاوزات ومظاهر القمع والتعدّي على حريّة التعبير والعمل السياسي والحقوق الأساسيّة للناس. وحتى قبل ذلك التاريخ كان منصف المرزوقي مُعارضا من طينة خاصة واجه الرئيس المخلوع منذ سنة 1994 عندما أعلن عن نيّته في الترشّح من أجل رئاسة الجمهوريّة رغم يقينه بصعوبة المنازلة نظرا لحالة البلاد المنغلقة والمتّجهة بدستور معدّل إلى فرض الشخصنة وانعدام المنافسة والمناخ السياسي الديمقراطي والتعدّدي. ومن المفارقات أنّ الأقوال قد تضاربت في حقّ هذا الرجل المناضل إن حقيقة أو إدّعاء وربّما حقدا وتشفيّا ممّا ناله من صيت وإشعاع وملامسة لصدق بالغ في عباراته وكلماته وتحركاته ومواقفه ..قيل فيه إنه علماني ملحد وكافر ..وقيل فيه أيضا مؤمن حليف الإسلاميين الأوّل وبين القولين منتهى التضاد والتضارب. وربّما، بل من المؤكّد، فإنّ طبيعة التكوين العلمي لهذا الرجل (طبيب) جعلته يقوم مبكّرا بعملية تشخيص لأزمة السلطة وعلاقة الدولة بالمجتمع والشعب، تشخيص علمي دقيق أوقفه عند منزلقات الحكم التسلطي والفردي وحقيقة الشعب المحكوم بالقمع والإرهاب والتعذيب والتنكيل والتهجير، وللغرض تجاوز الرجل منطق الشعار إلى الكتابة والتأليف وعرض للرأي العام المحلي والدولي عددا من العناوين المهمّة الّتي تحدّثت أساسا عن الدكتاتوريّة والقمع وحق الناس في الحرية والديمقراطيّة وتطرّقت إلى المشغل الأساسي للمواطن العربي عموما وهو غياب الحريات. قلمهُ ينساب مدرارا ودون توقّف ليرسم ويُحبّر كلّ تلك المعاني والأقاويل التي لا ينفكّ الرجل منذ أكثر من عقدين يردّدها عبر وسائل الإعلام والتجمعات والتظاهرات والندوات السياسيّة والثقافيّة والفكريّة التي كان دائما يكون أحد أرقامها وخاصة أيّام القمع ومحنة الشعب في ظلّ القمع والتضييق والمصادرة. عانى من الملاحقات الأمنيّة منذ تولّى رئاسة الهيئة المديرة للرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان ورفض مُباركة التهليل لقمع الإسلاميين فوقع الانقلاب عليه في عمله ومسؤولياته الحقوقيّة قبل أن يتمّ اعتقاله في مارس 1994 ثم أطلق سراحه بعد أربعة أشهر من الاعتقال في زنزانة انفرادية، وقد أفرج عنه على خلفية حملة دولية وتدخل من نيلسون مانديلا شخصيّا: «هم هكذا كبار السياسيين والحقوقيين لا يتوانى كبار السياسيين والحقوقيين عن نجدتهم والدفاع عنهم» . وصلة المرزوقي بالمناضلين الكبار قديمة جدّا ، ففي سنة 1970 شارك في مسابقة عالمية للشبان بمناسبة مئوية المهاتما غاندي لتقديم نص عن حياة الرجل وفكره، فازت مشاركة منصف ليحل ضيفاً على الحكومة الهندية لمدة شهر وليتجول فيها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وفي سنة 1975 سافر إلى الصين ضمن وفد لمعاينة تجربة الطب في خدمة الشعب في الصين قبل أن يعود إلى تونس عام 1979 رغم إلحاح أقربائه على بقائه في فرنسا، وعمل أستاذاً مساعداً في قسم الأعصاب في جامعة تونس، شارك في تجربة الطب الشعبي الجماعي في تونس قبل وقف المشروع. همّه الوحيد، وبيّن ذلك في تصريحاته وكتاباته هو «الشعب» يتوجّه إليه محفّزا ومستثيرا فيهم الحماسة ورفض الظلم والدكتاتوريّة، يدعوهم باستمرار إلى الفطنة واليقظة والحذر...ربّما كانت تجربته في «الطب الشعبي» الّتي مارسها لأكثر من 20 سنة ذات تأثير وأيّما تأثير في نضاله السياسي والحقوقي ودفاعه عن الحريات وحقوق الإنسان بمفهومها الشامل والعام من الحق في الكلمة وحريّة التعبير إلى الحق في السكن اللائق والشغل وظروف العيش الكريم. أسس مع ثلة من رفاقه المجلس الوطني للحريات في 10 ديسمبر من عام 1997 بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد اختير أول رئيس للجنة العربية لحقوق الإنسان من عام 1997 حتى 2000، ثمّ غادر إلى المنفى في ديسمبر 2001 ليعمل محاضراً في جامعة باريس حيث بقي هناك حتى أعلن عن عزمه العودة بدون أخذ الإذن من السلطات التونسية، وفي مداخلة له على قناة «الجزيرة» يوم 14 أكتوبر 2006 حول الوضع في تونس، دعا المرزوقي إلى اعتماد كافة أساليب المقاومة السلمية لفرض الحقوق واستعادة الحرية...وأخيرا عاد المنصف المرزوقي إلى تونس يوم 18 جانفي 2011 ليُباشر اتصالا مباشرا مع «جماهير الشعب الثائرة» مبتدئا بالجهات النائية وتحديدا تلك الّتي شاركت في قيام الثورة...من باريس إلى مطار تونسقرطاج ومنها إلى أرياف سيدي بوزيد والقصرين ليترابط الرجل من جديد وربّما هذه المرّة دون انقطاع. ولد منصف المرزوقي في 7 جوان 1945 في قرمبالية ، تنحدر عائلته من الجنوب التونسي ، والده محمد البدوي المرزوقي ووالدته عزيزة بن كريم، له أربعة أشقاء وسبعة أخوة. نشأ في تونس والتحق من عام 1957 حتى 1961 بالمدرسة الصادقية بالعاصمة تونس. غادر تونس للالتحاق بوالده سنة 1961، وعاش مع عائلته في مدينة طنجة حتى عام 1964، حيث سافر إلى فرنسا وتزوج هناك، فأنجب مريم ونادية. أقام في فرنسا 15 سنة ، درّس في جامعة ستراسبورغ ( كلية علم النفس ثم الطب).