نجاة من كارثة محققة في مطار نيس: طائرتان تفلتان من اصطدام مروع    وزارة الفلاحة تطلق مشروع التنمية الشاملة للزراعات الجبلية الصغرى بالشمال الغربي - دينامو-    حجز حوالي 4523 كغ من المواد الغذائية الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك    أكسيوس: ترامب سيقدم مقترحًا لقادة عرب بشأن مستقبل غزة    عاجل/ ماكرون يعلن رسميا اعتراف فرنسا بدولة فلسطين..    عاجل/ احباط عملية تهريب جديدة للمخدرات بميناء رادس..وهذه التفاصيل..    زاده الشيب جمالاً... تيم حسن يلفت الأنظار بوسامته    العودة المدرسية بولاية مدنين...339 مؤسّسة تربوية يؤمها 119 ألف تلميذا    قبلي .. افتتاح مركز التكوين و التدريب المهني    منزل تميم .. لحماية صابة الفلفل الأحمر فلاّحو منزل حر يطالبون بتوفير المبيدات    المدرسة الابتدائية الشابية بتوزر .. «نقص فادح في العملة»    الإعلامي محمد الكيلاني في أمسية أدبيّة بسوسة...غادرت التلفزة واتجهت إلى الكتابة لغياب التحفيز والإنتاج    "أكسيوس": ترامب يعرض على القادة العرب والمسلمين رؤية واشنطن لإنهاء حرب غزة    لامين يامال أفضل لاعب شاب في العالم    تحسين الخدمات الادارية    مع الشروق : دولة فلسطينية... بين الاعتراف والتطبيق    زياد غرسة يضيء سهرة افتتاح مهرجان المالوف الدولي بقسنطينة    اولمبيك سيدي بوزيد.. المدرب جمال بالهادي يعلن انسحابه    التقلبات الجوية.. الحماية المدنيّة توصي بتوخّي الحذر والابتعاد عن ضفاف الأودية    إنتبه لها.. 10 علامات مُبكّرة للزهايمر    يا توانسة ردّوا بالكم: مواد غذائية فاسدة محجوزة في برشا ولايات!    عاجل/ بلاغ هام من الحماية المدنيّة بخصوص التقلّبات الجوية    عاجل/ أمطار غزيرة ورعدية تتجّه نحو تونس الكبرى وهذه الولايات..    عاجل/ بيان إسرائيلي بشأن أسطول الصمود    مشاركة تونسية مكثفة في مهرجان بوسان الدولي للفن البيئي    كريم دلهوم مدربا جديدا لاتحاد بن قردان    الحلبة: فوائد كبيرة.. لكن هذه الأضرار لا تتوقعها!    عاجل: أمطار رعدية مع برد تتقدم للشمال والوسط التونسي    نهاية العلاقة التعاقدية بين الرجاء المغربي ولسعد جردة    صيام ربيع الثاني: برشا أجر في 3 أيّام برك...أعرفهم    عاجل: الاتحاد المنستيري يعلن عن تركيبة جديدة للهيئة المديرة    منظمة إرشاد المستهلك : ''غلاء اللّحوم والإنترنت يوجّع في جيوب التوانسة''    دور الثقافة والفضاءات الثقافية تفتح أبوابها لاستقبال الراغبين في المشاركة في مختلف أنشطتها    انتخاب المحامي سفيان بالحاج محمّد رئيسا للفرع الجهوي للمحامين بتونس    خطير/صيحة فزع: أكثر من 50% من المؤسسات الصغرى والمتوسطة مهددة بالافلاس والاندثار..    المطر في تونس: وين كانت أكثر الكميّات حسب المدن؟    المفتي هشام بن محمود يعلن الرزنامة الدينية للشهر الجديد    تونس على موعد مع حدث فلكي غريب بدخول الخريف... الشمس تعانق خط الاستواء..شنيا الحكاية؟!    كيفاش تعرف السمك ''ميّت'' قبل ما تشريه؟    عاجل : مباريات قوية مؤجلة من الجولة السابعة في الرابطة الأولى هذا الأربعاء!    تحذير طبي جديد يخص حبوب شائعة الاستعمال بين النساء...شنيا؟    علامات خفية لأمراض الكلى...رد بالك منها و ثبت فيها ؟    انطلاق حملات نظافة كبرى في دور الثقافة والمكتبات العمومية والجهوية    أحكام بين 10 و20 سنة سجنا في قضية تهريب مخدرات أطيح بأفرادها عبر "درون"    تواصل ارتفاع أسعار السيارات الشعبية في تونس.. وهذه أحدث الأسعار حسب الماركات..    الدورة الاولى لصالون الابتكارات الفلاحية والتكنولوجيات المائية من 22 الى 25 اكتوبر المقبل بمعرض قابس الدولي    قفصة: تسجيل رجّة أرضية بقوّة 3،2 في الساعات الأولى من صباح الإثنين    القصرين: تراجع إصابات داء الكلب وتواصل الحملة الوطنية للتلقيح    تنبيه/ احتجاجات وغلق لهذه الطريق..#خبر_عاجل    5 سنوات سجناً لشيخ حاول اغتصاب طفل بحديقة الباساج    البطولة الفرنسية : موناكو يتفوق على ميتز 5-2    عاجل/ آخر مستجدّات فقدان مهاجرين تونسيّين في عرض البحر منذ أسبوع..    أول لقاء علني بعد الخلاف.. تأبين الناشط اليميني كيرك يجمع ترامب وماسك    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    طقس الاثنين: خلايا رعدية وأمطار غزيرة محليا مع تساقط البرد... التفاصيل    الصينيون يبتكرون غراء عظميا لمعالجة الكسور    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    استراحة «الويكاند»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنارة: المثقف و السلطة
نشر في الشروق يوم 04 - 06 - 2011

أثارت الثورات الشعبية العربية من جديد جدلا حول قضايا قديمة لم يكن من السهل بحثها بوضوح وجرأة في المرحلة الاستبدادية، إذ أن لها علاقة مباشرة بالسلطة السياسية، وقد سعت جاهدة، كما هو معروف، إلى التعتيم على كل القضايا الفكرية، بل سخرت بعض الأقلام لتلميع صورتها في الداخل والخارج، وتقديمها، وكأنها راعية للثقافة والفكر، وليس للظلم والفساد !!
من أبرز هذه القضايا علاقة المثقف بالسلطة، وأذكر هنا أنني نشرت منذ فترة دراسة مطولة بعنوان «المثقف والسلطة في التراث العربي الإسلامي» بدأتها بموقف القراء في الفتنة الكبرى، وقد كانوا يمثلون النخبة المثقفة للدين الجديد يومئذ، حتى المرحلة المعاصرة، مرحلة نظام الأحزاب الشمولية، وكانت خلاصة البحث أن هذه العلاقة كانت في جل الحالات متوترة، وانشطرت النخبة العربية بالأمس واليوم إلى شطرين: فقهاء البلاط، و فقهاء المسجد حسب التعبير القديم، فقهاء البلاط هم الذين نظروا إلى الإمامة والحكم الوراثي كما نقرأ ذلك على سبيل المثال في «الأحكام السلطانية» للماوردي، وفقهاء المسجد هم الذين عارضوا السلطة الاستبدادية، ورفضوا الحكم الوراثي مطالبين بأن يختار المسلمون الأفضل بينهم ليسير شؤونهم.
وعرف أنصار هذا التيار نتيجة مواقفهم النفي والتعذيب والصلب، وأكتفي هنا بذكر قصة سعيد بن المسيب، وهو تابعي من كبار علماء الإسلام فقد طلب منه والي المدينة وهو ابن عمه أن يبايع للوليد و لسليمان ابني عبد الملك بن مروان ليرثا الحكم بعد أبيهما فرفض فجرد من ثيابه و ألبس ثيابا من شعر، وجلد مائة سوط و حلق رأسه ولحيته، و أوقف في السوق يتفرج عليه الناس.
هل كان سعيد بن المسيب يمثل خطرا على الحكم الأموي، وهو في أوج قوته؟ أبدا ولكن كما قال عبد الملك بن مروان لواليه على المدينة: انتقم منه حتى لا يتجرأ الناس علينا فقد قدم مثالا للترهيب، إنه من المعروف في تاريخ النظم السلطوية شرقا وغربا أنها لا تقنع بشبه الإجماع، بل لا بد من الإجماع الكامل وإن كان صوريا مزيفا.
٭ ٭ ٭
وعندما نعود اليوم إلى موقف النخبة المثقفة تجاه الثورات العربية نلمس نفس الظاهرة تقريبا، و أعني انشطارها إلى شطرين، فهنالك فئة انضمت إلى الثورات الشبابية، محاولة عقلنتها و التنظير لها، و فئة أخرى صنفت بالأسماء ضمن «قائمة العار» و من الغريب أن نجد ضمن هذه القائمة أسماء بارزة من المثقفين العرب، فقد أصيب الناس بالدهشة لما قرأوا أن مثقفا متألقا من طينة جابر عصفور يقبل الوزارة والرصاص يحصد أرواح الشباب المصري في ميدان التحرير، أما من عرفه عن كثب، و أنا منهم، فقد حزنوا حزنا شديدا، ولما استقال علل استقالته «بأسباب صحية»، وليس احتجاجا على المجازر التي ارتكبها النظام البوليسي ضد شعبه !!
وها نحن نقرأ اليوم أسماء معروفة ضمن «قائمة العار» في سوريا، و ليبيا، واليمن، أما الثورة العربية الرائدة فقد كان أبناؤها أكثر تسامحا فلم نسمع أنهم أعلنوا للرأي العام التونسي «قائمة العار» تضم أسماء أولئك الذين صفقوا طويلا، وسخروا أقلامهم، و إبداعهم لخدمة نظام غرق سدنته حتى «شوشة الرأس» في مستنقع الاستبداد و الفساد، ومن بينهم من كان رافعا لواء الإسلام، والإسلام منهم براء!
٭ ٭ ٭
إن التسامح المشار إليه قبل قليل لا يعني أن «قائمة العار» لم يسجلها تاريخ النخبة المثقفة وبخاصة في مرحلة سيطرة ظاهرة المافيا على الدولة و الوطن، فقد بلغت الوقاحة ببعضهم أن طالبوا أصحاب الأقلام بالدفاع عن النظام و قد مرت ثلاثة أسابيع على سقوط الشهداء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب !!
٭ ٭ ٭
إنني حريص في نهاية هذا النص على الإشارة إلى أن علاقة المثقف بالسلطة تمثل إشكالية معقدة عرفتها كل البلدان، وهي مرتبطة بالمرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع من جهة، وبطبيعة النظام السياسي من جهة أخرى، فمن المعروف أن النخبة المثقفة مثلت دعامة صلبة من دعائم الدولة الوطنية غداة الاستقلال، وساندت النظم السياسية ذات البعد القومي في مواجهة مخططات الاستعمار الجديد من جهة، والسياسة التوسعية الإسرائيلية من جهة ثانية.
هي نظم وطنية حاولت دعم الاستقلال الوطني و بناء الدولة الحديثة، فالمثقف في هذه الحالة يجد تبريرا لمساندتها رغم ما عرفت به من نقائص، وفي مقدمتها غياب الحريات العامة، أما المثقفون الذين ساندوا بالأمس النظامين البائدين: التونسي والمصري، ويساندون اليوم الأنظمة القائمة في كل من ليبيا، وسوريا واليمن، فلا يتجرؤون على القول إن مساندتهم هي في مصلحة الدولة، إذ أنهم في خدمة سلطة قامعة، وحامية لمصالح مافيوزية، هي سلطة لا علاقة لها بمفهوم مصلحة الوطن، ومما يلفت النظر أن السلطة في الأقطار العربية المعنية، هي سلطة أسرية اشتهرت باستشراء ظاهرة الفساد، فهل يمكن في هذه الحالات الحديث عن الدولة والوطن !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.