انقطاع الماء في أريانة اليوم: الصوناد توضّح وتحدد موعد العودة    النفطي: الدبلوماسية التونسية تسعى إلى جلب الاستثمارات الموجهة للحد من التأثيرات المناخية    هام: توقيت فتح المسلخ البلدي خلال عيد الاضحى بهذه البلدية..    عاجل | الأطباء الشبان يعلنون إضراباً عاماً لخمسة أيام ويقاطعون مراكز التربص    أسعار خيالية في نقاط البيع المنظمة: "القشارة" أرحم من الحكومة !    السعودية تضبط 75 ألف مخالف لأنظمة الحج وتصدر توصيات    الأونروا: توزيع المساعدات في غزة أصبح "مصيدة للموت"..    نابل: انطلاق إمتحانات البكالوريا في ظروف جيدة    المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي يفوز بجائزة العويس الثقافية    أريانة: انطلاق الحملة الجهوية لمكافحة الإدمان تحت شعار ''لا للإدمان'' وتستمر حتى هذا الموعد    عاجل : فتح باب الترشّح لرئاسة وعضوية الهيئة المديرة للنادي الإفريقي...تفاصيل    عاجل -هذه مواعيد مواجهات الترجي في مونديال الأندية 2025    المغرب يستخدم ''الدرون'' لمنع ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى    موجة حرّ مرتقبة في تونس خلال عطلة عيد الأضحى...التفاصيل    معرض الاغذية الدولي لافريقيا من 9 الى 11 جويلية المقبل بقصر المعارض بالكرم    المؤرخ عبد الجليل التميمي يفوز بجائزة العويس للدراسات الإنسانية المستقبلية    عيد الاضحى 2025: هذا ما يجب فعله بعد ''ذبح'' الأضحية    متى تبدأ عطلة عيد الأضحى 2025 في الدول العربية؟ إليكم التفاصيل حسب كل دولة    أدعية مستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة لحفظ الأبناء ...تعرف عليها    ماهر الكنزاري يوضح حقيقة المناوشة مع رئيس الملعب التونسي    الفراولة سلاح طبيعي ضد هذه الأمراض: دراسة حديثة تكشف الفوائد    إنتقالات: نادي برشلونة يستبعد التعاقد النهائي مع نجم المنتخب الإنقليزي    القيروان: انطلاق اختبارات الباكالوريا في ظروف عادية    عاجل/ 30 سنة سجنا و300 الف دينار خطية لمروج مخدرات بالملاهي الليلية..وهذه التفاصيل..    صفاقس: 12 ألف و238 تلميذا وتلميذة يشرعون في إجتياز امتحان "الباكالوريا" في ظروف طيبة    نابل: أعوان وإطارات الصحة بمستشفى قرمبالية يرفعون الشارة الحمراء( صور)    شقيقة الضحية التونسي في فرنسا "شقيقي قتل خلال مكالمتي معه بالهاتف عبر الكام"    بطولة رولان غاروس: تأهل سابالينكا وشفيونتيك الى ربع النهائي    بقيادة معين الشعباني: نهضة بركان يتأهل إلى ربع نهائي كأس المغرب    مشجع وحيد يرحب بلاعبي إنتر ميلانو .. رغم انهيار الفريق في نهائي الأبطال    تخفيض توقعات النمو العالمي في ظل تزايد الرياح المعاكسة    عاجل/ بداية من الغد: انطلاق بيع لحم "العلوش" الروماني..وهذه الأسعار ونقاط البيع..    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب هذه السواحل..#خبر_عاجل    "لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك".. جملة خلال اجتماع الشرع وأمير الكويت تثير تفاعلا    تحذير :'' التيك توك'' يروج لمعلومات مضللة حول الصحة النفسية ويشكل خطرًا    حرائق غير مسبوقة تلتهم غابات كندا وتجبر الآلاف على النزوح    إحباط عملية تهريب خطيرة لزواحف سامة في مطار مومباي    بداية من اليوم: انطلاق امتحانات الدورة الرئيسية لبكالوريا 2025..    البكالوريا: 88 تلميذا من قرى 'اس او اس' يجتازون اختبارات الدورة الرئيسية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    نابل: غرق شاب في قربص والعثور على كهل مشنوقًا في بئر بورقبة    عاجل/ مقتل تونسي على يد جاره الفرنسي..وهذه التفاصيل..    بولندا: فوز القومي كارول نافروتسكي بالانتخابات الرئاسية    دعوة الى حظر منتجات التبغ المنكهة    وزارة الصحة تقدّم نصائح للوقاية من التسمّمات الغذائية في فصل الصيف..    نابل: تضرر مساحات من الطماطم بسبب انتشار الفطريات وتقديرات بتراجع الصابة بنسبة تناهز 40 بالمائة    قفصة تكرّم "شيخ الأدباء "عبد العزيز فاخت    يوم 30 جوان آخر أجل للمشاركة في جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية    قابس: انطلاق فعاليات الدورة السادسة للمهرجان الدولي للسينما البيئية    عروس برازيلية تثير الجدل بعد وصولها لحفل زفافها بسيارة جنازة.. والسبب أغرب من الخيال!    إطلاق المرحلة التجريبية لتطبيق رقمي جديد لمراقبة وتركيز السخانات الشمسية في تونس    اليوم الأحد: دخول مجاني للمتاحف والمواقع الاثرية والمعالم التاريخية    كأس العالم للأندية – لوس أنجلوس الأمريكي يُكمل عقد مجموعة الترجي الرياضي    أولا وأخيرا .. الضربة الساكتة    ''السوشيال ميديا خطيرة''...نوال غشام تحذّر من انهيار الذوق الفني!    مُنتشرة بين الشباب: الصحة العالمية تدعو الحكومات الى حظر هذه المنتجات.. #خبر_عاجل    الموافقة على لقاح جديد ضد "كورونا" يستهدف هذه الفئات.. #خبر_عاجل    منبر الجمعة ..لبيك اللهم لبيك (3) خلاصة أعمال الحج والعمرة    









الفوضى الخلاقة.. أسبابها وأنواعها وأساليبها وقضاياها وتحدياتها
نشر في الصباح يوم 26 - 01 - 2012

بقلم: علي الجوادي حين نقرأ عوارض فقدان النظم لفاعليتها في إدارة شؤون البلاد عبر مؤشرات استشراء الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتضخم مخزون الجريمة، لا يمكن إلا أن نستنتج بأن الوضع العام لا يسير بشكل جيد وأن مناعة العصابات الحاكمة متآكلة وآخذة في الانهيار وأن جماهير واسعة يائسة ومحبطة مستعدة للعصيان وانتهاك القانون قصد تحطيم القهر وقطع جذور القاهرين وكسر نظم الفساد، ومن ثم نتهيأ جميعا عدا الأغبياء وعصابات القمع والفساد لانفجار الوضع وحدوث تغييرات.
فضرب الحريات الأساسية وارتفاع حرارة القمع والفقر والبطالة عادة ما تخلف السخط والغضب لدى الفقراء والطلاب والعمال والنقابيين والمثقفين والحقوقيين والإعلاميين وتخلق التربة الخصبة التي تغذي اليأس والإحباط والحقد لدى شريحة واسعة من المجتمع وهي مؤشرات تمهد لانفجار أعمال العنف والشغب والجريمة والانفلات الأمني والفوضى الخلاقة بحثا إما عن تحسين الوضع العام بالبلاد أو تحطيم نظم الاستبداد والفساد وبناء مشهد سياسي جديد يلبي تطلعات ورغبات جماهير عريضة من الشعب، وأشكال هذه الفوضى مختلفة :
1- فوضى القضايا الحقوقية والنقابية والاجتماعية والثقافية:
الاعتصامات والاحتجاجات وهي مظاهرات سلمية في ساحات عمومية للتعبير عن ردود تذمر تجاه تدابير حكومية ترفضها شرائح من المجتمع مثل ارتفاع الأسعار وغلق بعض دور السينما ومنع عرض هذا الفيلم أو ذاك وتسريح العمال وسن قوانين غير مؤثرة على نزاهة القطاع العام والخاص، وهي أيضا غضب شعبي من سياسات داخلية وحشية كالقمع والإقصاء والتجويع وإهدار المال العام وتراجع الرعاية الصحية وهي أيضا استياء شعبي ضد سياسات خارجية تكتسي صبغة التبعية المرفوضة كالانحياز إلى نظم استبدادية واستعمارية أو عدم مساندة ضحايا القمع وقضايا التحرر، وقد تتحول هذه الاحتجاجات إلى انتفاضة شعبية الإضرابات عن العمل وهي تعبير عن اعتراض الأجراء لتغلغل رأس المال المادي على حساب رأس المال البشري أو معارضة لسياسات تقشفية أو نتيجة عدم تقدم في المفاوضات الاجتماعية، في حين أن الإضرابات في الكليات والمعاهد هي تعبير عن سخط وغيظ الجماهير الطلابية حين تشعر بالتدجين وبتدهور قيم الكرامة والحرية وتردي سياسات التعليم والإنماء والتشغيل، إضافة للإضراب عن الطعام في قضايا محددة من انتهاك حقوق الإنسان كحرمان بعض الطلبة المناهضين للسلطة من مواصلة الدراسة وحجز جوازات سفر مساجين الرأي وتردي ظروف الإقامة بالسجون
الانتفاضات الشعبية وهي عصيان مدني يعبر عن معاناة السكان الذين وقع عليهم إرهاب الاحتلال كانتهاك حقوقهم الأساسية في الحياة والكرامة والاعتقالات الجماعية وزرع الرعب في صفوف المدنيين والتطهير العرقي والطائفي وقد تتحول الانتفاضات في نهاية المطاف إلى ثورة ضد الطغاة والمحتلين، ولنا في هذا الباب مثال الانتفاضة الفلسطينية التي عدلت عقارب المحتل الإسرائيلي.
2- الثورة وهي تغيير جذري وسريع للنظام السياسي القائم وتخلص النخبة الجديدة من الجذور التابعة للنظام المخلوع عبر المحاكمات القضائية والنفي وفرق الموت، والثورة تنقسم إلى نوعين:
1- فوضي الجيوش وأعني بذلك الانقلابات العسكرية وما يتبعها من قتل جماعي كقتل الجيش الشيلى حوالي 4 ألاف شخص عقب انقلاب 1973 واختفاء أكثر من 30 ألف أرجنتيني عقب سيطرة الجيش على الحكم عام 1976 وسحق حركات التحرر في المجر عام 1956 وغواتيمالا في انقلاب 1954 وباكستان أيام انقلاب محمد أيوب خان عام 1958 وانقلاب الجنرال ضياء الحق عام 1977 وانقلاب مشرف عام 1999
2- الفوضى الشعبية وبدورها تنقسم إلى نوعين:
التمرد المسلح وعادة يكتسي طابعا طائفيا عرقيا انفصاليا كالحروب الأهلية التي شهدتها ايرلندا الشمالية بين الكاثوليك والبروتستانت، ولبنان بين المسحيين والمسلمين وبين السنة والشيعة، ورواندا بين الهوتو والتوتسي، وكوسوفو بين الصرب والألبان، والعراق بين الأكراد والعرب وبين السنة والشيعة وحروب كرواتيا والبوسنة وصربيا الانفصالية عن يوغسلافيا السابقة، إضافة للتمرد المسلح ضد أنظمة قمعية وفاسدة كتمرد ثوار نيكاراغوا الذين أطاحوا بسوموزا عام 1979.
ب الثورات الشعبية والتي ليست بالضرورة دموية، وهي تهدف إلى الإطاحة بنظام قائم سالب ناهب قمعي وإحلال نظام جديد محله يلبي طموحات وتطلعات كتلة واسعة من جماهير الشعب، والثورات الشعبية تبدأ بمظاهر الاحتجاجات والعصيان والتمرد على النظام القائم، والرد البدائي لحكومات القمع والفساد هو مواجهة الاحتجاجات والاضطرابات عبر استخدام عناصر الشرطة المسلحة والآلة العسكرية وإلقاء اللوم على مجموعة من الراديكاليين والمتآمرين متجاهلة أن المعارضين يحظون بتأييد بعض شرائح المجتمع فيزداد السخط والغضب. وكلما التجأت عصابات الاستبداد والفساد إلى سحق وإسكات الغاضبين عوض التوجه إلى التهدئة والتحاور في حل المشكلات إلا ويزداد عناد ورد الثوار شراسة إلى أن يتم إسقاط النظام وقطع جذوره وتولى النخبة الجديدة السلطة. وقد سجل تاريخ العصر الحديث عديد الثورات، وكانت البداية مع الثورة البريطانية في أربعينات القرن17 يليها الثورة الأمريكية في 1776 ثم الثورة الفرنسية في 1789 والثورة الشعبية التي قامت بها الجماهير الروسية الجائعة في 1917 بقيادة لينين وأنهت الحكم القيصري وكان لها الدور الأبرز في تغيير مجرى التاريخ بإنشاء الاتحاد السوفياتي، وثورة الضباط الأحرار في مصر 1952 بقيادة عبد الناصر والثورة الكوبية ، والثورة الإيرانية عام 1979 بقيادة الخميني التي حولت إيران من نظام ملكي لتصبح جمهورية إسلامية شيعية، ورياح الثورة البيضاء التي هبت على أكثرية دول أوروبا الشرقية في أوائل تسعينات القرن الماضي وحصدت الأنظمة القمعية الحاكمة حصادا كاملا دون إراقة دماء باستثناء رومانيا، والربيع العربي الذي انطلق من تونس مع نهاية 2010 وأسقط عصابات الاستبداد والفساد.
ومن التحديات التي تواجهها الثورات عند انهيار النظم القمعية الفاسدة وما يصاحبه من انتشار لأعمال الفوضى والشغب والانفلات الأمني والإعلامي والاقتصادي على نطاق واسع وأحيانا الصراعات الأهلية والاغتيالات السياسية، هو إمكانية سيطرة مجموعات استبدادية منظمة بشكل جيد أو الجيش على السلطة في البلاد واستخدام القوة في مواجهة المواطنين الغاضبين بدعوى تحقيق الأمن والاستقرار، وفرض الطبقة السياسية الجديدة على الشعب طاعة النظام الجديد بقيمه ومشاريعه وقوانينه وقد يتعرض الخارجون عن الخط الجديد إلى أبشع العقاب. وفي الثورة كل شيء يتغير، النظام السياسي ومؤسسات الدولة والتوجهات الاقتصادية والسياسية حتى قبل الوصول إلى مرحلة الأمن والاستقرار، وهو ما يتسبب في خلق حالة من الإرباك في المجتمع ويصبح عامة الناس والأجراء العاديون والقرويون البسطاء غير مهتمين لا بالأيديولوجيات ولا بالنخب السياسية الجديدة وخطاباتها، ويبدأ الجميع في تصور وتخيل مستقبل أفضل وتتولد لديهم الرغبة العاجلة في الخروج من هموم الفقر والتهميش بشكل سريع. إلا أنه من الصعب جدا إرضاء مجمل هذه الرغبات على المدى القصير لأن إعادة هيكلة الاقتصاد وإحداث مشاريع تنموية جديدة تلبي هذه الطموحات يعتمد على وفرة الموارد المالية وإعادة رسكلة الموارد البشرية وتهيئة البني التحتية، إضافة لتطهير المؤسسات القضائية والقانونية والإعلام والشركات والبنوك من عناصر الفساد، وخلق الثقة في دنيا المال والأعمال، وإرسال رسائل اطمئنان للمستثمرين الأجانب ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية، وإرساء دبلوماسية دولية فعالة تقوم على أسس المصالح والسلم والاستقرار وقادرة على الترويج لسياستنا الاقتصادية وجلب الاستثمار الخارجي.
ما نريد أن نختم به هذه الورقة هو أن الثورات يفجرها المقهورون والعمال والطلاب والفقراء والنقابيون والحقوقيون والإعلاميون، بحثا عن التخلص من القمع والتهميش وإحلال مشهد سياسي جديد يلبي تطلعات أبناء الشعب. وأن تكاليف الثورات باهظة، أولها عدد الشهداء يليها حرق عديد الشركات الاقتصادية والمنشئات العمومية ونهب الممتلكات العامة والخاصة، إضافة لإحداث بعض الجروح داخل المجتمع وشلل الاقتصاد جراء الاعتصامات والإضرابات العشوائية وقطع الطرقات وتنوع البناء الفوضوي وما يتبع ذلك من إفساد للبني التحتية وتوسيخ للبيئة واقتحام المتطرفين لمعاهد التعليم ومحاولة فرض أنماطهم الحياتية التي تتماشي مع أذواقهم الخاصة ومستواهم العلمي والثقافي وممارسة الانتقام والثأر والتشفي... ويبقي التحدي الكبير في أن يلتف على مسار الثورة دكتاتوريون جدد وفاسدون جدد إذا لم تكن محمية من طرف قوى ثورية محكمة ومنظمة، ولنا أمثلة عديدة في الإطاحة بصور من الطغيان واستبدالها بطغاة جدد، لعل أبرزها استطاعة هتلر الذي وصل إلى السلطة عبر الانتخابات نقل النظام الألماني من الديمقراطية النسبية إلى النازية.
كاتب صحفي في قضايا التنمية والأزمات والفساد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.