بين العمل السياسي والعمل النقابي خيط رفيع جدا لا يمكن ان نلمسه لكن يمكن أن ندركه.. طيلة التاريخ الطويل للنضال النقابي في العالم كان السياسيون هم دائما في طليعة العمل النقابي وكثير من السياسيين انتهوا نقابيين وأيضا كثير من النقابيين انتهوا في النهاية سياسيين وقوة الاتحاد العام التونسي للشغل أنه كان منظمة نقابية نجحت في التأثير وفي صنع القرار السياسي والقرار الوطني منذ تأسيسها في أربعينات القرن الماضي وكان الاتحاد العام التونسي للشغل صاحب الدور الأقوى في بناء دولة الاستقلال الحديثة مما يعني انه كان في قلب الفعل السياسي وكان الاتحاد العام التونسي للشغل صاحب أول برنامج اقتصادي واجتماعي تتبناه دولة الاستقلال البورقيبية... الآن وبعد تلك السنوات الوضع تغيّر في تونس وأصبح العمل النقابي بفعل الكثير من التأثيرات في مواجهة العمل السياسي... لكن لا بدّ من الإشارة الى ان العمل النقابي في سنوات العهد البورقيبي اختلف عن السنوات التي تلت مؤتمر سوسة 1989.. العمل النقابي بعد هذا التاريخ اختلف بنسبة 180 درجة صارت هناك تقاليد أخرى وآليات جديدة وابتعد الاتحاد العام التونسي للشغل عن لعب دوره السياسي واقتصر على لعب دوره النقابي والاجتماعي والعمالي ودخل في هدنة مع نظام بن علي تواصلت سنوات. كانت الظروف مختلفة ولكن لم يكن النقابيون بعيدين عن العمل السياسي. أصبح للاتحاد العام التونسي للشغل في السنوات الماضية دور آخر صارت النقابات حاضنة لكل التيارات السياسية غير المعترف بها وصارت الكثير من الهياكل النقابية هياكل شرعية سياسية لهم مارسوا فيها نضالهم النقابي وأيضا وجودهم وتأثيرهم السياسي... كان الاتحاد العام التونسي للشغل وكانت كل هياكله مفتوحة أمام التيارات والأحزاب السياسية غير المعترف بها وكانت مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل جهويا ومركزيا مفتوحة أمام الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وأمام كل المنظمات والجمعيات الأخرى التي كان يصعب عليها في ذلك الوقت الحصول على مقرّ... لكن الاتحاد العام التونسي للشغل نجح في المحافظة على علاقة مهادنة مع النظام ونجح في الاستمرار في ممارسة عمله ونضاله النقابي كما استمر في احتضان كل التيارات السياسية غير المعترف بها ودافع عن كل التحركات الاحتجاجية وتبنى بشكل كامل الدفاع عن مناضلي انتفاضة الحوض المنجمي ثم فتح هياكله ومقراته وكان النقابيون في طليعة تحركات ديسمبر وجانفي الماضيين وكانت مسيرة شارع الحبيب بورقيبة يوم 14 جانفي 2011 قد انطلقت من ساحة محمد علي. تسييس غير أن ما يحدث الآن هو عمل بعض الأطراف على «تسييس» العمل النقابي وهو أمر اذا تم فعلا سيكون له تأثير على العمل النقابي. هذا «التسييس» ظهر في بعض المؤتمرات القاعدية حيث كانت التحالفات الانتخابية تحالفات سياسية بالأساس وهو ما يؤكد ان الهياكل النقابية ستكون أمام لعبة «خطيرة» قد تؤدي الى انهيار منظومة العمل النقابي وبالتالي تسييس النضال النقابي. هناك اليوم أحزاب مفتوحة في تونس وهناك اليوم ألوان سياسية مختلفة ولكن العمل النقابي يجد أن يبقى فوق الانتماء السياسي.. يمكن لكل السياسيين الانخراط بقوة في النضال النقابي لكن العمل النقابي والنضال من اجل مطالب العمال والاجراء لا يقبل التوظيف السياسي. خطورة يجب على كل النقابيين اليوم ادراك خطورة لعبة السياسة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل فالمنظمة ظلت صامدة طيلة أكثر من نصف قرن لأنها كنت خارج لعبة التوظيف السياسي الرخيص.. الاتحاد العام التونسي للشغل كان دائما حصنا للدفاع عن مطالب العمال وليس للدفاع عن شعارات ومطالب الاحزاب.. والسياسيين الذين مروا بهياكله كانوا نقابيين في المقام الاول.. طيلة عقود فهموا وأدركوا خطورة اللعبة لذلك حافظوا على الاتحاد وجنبوه لعبة التوظيف السياسي. كان لكل نقابي لونه السياسي لكن كان النضال النقابي فوق ذلك اللون... الآن هناك من يريد ان يجعل من الاتحاد امتدادا لحزبه السياسي على حساب نضالات العمال والكادحين والأجراء وحينها سيخسر السياسة وسيخسر النقابة.