الأستاذ فتحي عمري ثمة حقيقة تاريخية لايمكن تجاهلها تثبت تداخل وتلازم السياسي بالنقابي فطيلة التاريخ الطويل للنضال النقابي في العالم كان السياسيون هم دائما في طليعة العمل النقابي وكثيرا من السياسيين انتهوا نقابيين وأيضا كثيرا من النقابيين انتهوا سياسيين ولعل الأمر ينسحب على الإتحاد العام التونسي للشغل هذه المنظمة النقابية التي نجحت في التأثير والمساهمة في صنع القرار السياسي والقرار الوطني منذ تأسيسها في أربعينات القرن الماضي وهو ما يفسر دورها القوي في بناء دولة الاستقلال الحديثة كما جاء في خطبة المناضل فرحات حشاد في المؤتمر العمالي الرابع « إن النظام الاستعماري يتنافى منافاة تامة مع المصالح القومية سواء في اتجاهاته الاقتصادية أو السياسية فمن العبث محاولة تحسين الحالة الاجتماعية أو قلب نظام المجتمع قبل التخلص من النظام السياسي والاقتصادي الحالي وبعبارة أخرى فلسنا ببالغين هدفا من أهدافنا إن لم نعوض النظام السياسي الاستعماري الموجود بنظام سياسي واقتصادي بحت .» مما يعني أن الإتحاد العام التونسي للشغل كان منذ قيامة في قلب الفعل السياسي بل صاحب أول برنامج اقتصادي واجتماعي تبنته دولة الاستقلال لكن بعد تلك السنوات تغير الوضع في تونس وأصبح العمل النقابي ونتيجة لجملة من الظروف والتأثيرات في مواجهة العمل السياسي ... إلا انه لابد من الإشارة إلى أن العمل النقابي في سنوات الحكم البورقيبي قد أختلف عن السنوات التي تلت مؤتمر سوسة 1989 ...بعد هذا التاريخ تغير العمل النقابي كليا فصار يستغل وفق آليات جديدة وطرق نضالية مختلفة ليبتعد الإتحاد العام التونسي للشغل عن دوره السياسي ليكتفي بلعب دور نقابي واجتماعي ويدخل في هدنة مع نظام المخلوع تواصلت لسنوات... ولكن رغم هذا لم يكن النقابيون بمعزل عن العمل السياسي فقد لعب الإتحاد العام التونسي للشغل دورا آخرا إذ إحتضن كل التيارات السياسية غير المعترف بها وصارت الكثير من الهياكل النقابية هياكل شرعية سياسية لهم مارسوا فيها نضالهم النقابي وأيضا وجودهم وتأثيرهم السياسي ... فقد فتح الإتحاد العام التونسي للشغل هياكله أمام الأحزاب السياسية غير المعترف بها وكانت مقراته جهويا ومركزيا مفتوحة أمام الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وأمام كل المنظمات المحاصرة والممنوعة من النشاط . لكن وبشئ من السياسة الذكية وأمام عنف نظام بن علي نجح الإتحاد العام التونسي للشغل في المحافظة على علاقة مهادنة مع النظام ونجح في ممارسة عمله النقابي وإحتضان كل الألوان السياسية غير المعترف بها كما دافع عن كل التحركات الاحتجاجية متبنيا بشكل مطلق أحداث الحوض المنجمي وفتح هياكله ومقراته خلال ثورة 14 جانفي ليقود المسيرة الحاشدة في ذلك التاريخ من ساحة محمد علي . غير ان ما نخشاه على العمل النقابي في إطار هذا الحراك السياسي وفي ظل هذه التجاذبات الحزبية أن ينزلق وراء التوظيف السياسي وهو ما عمد إليه البعض ، هذا «التسييس» برزت مظاهره في بعض المؤتمرات القاعدية حيث كانت التحالفات الإنتخابية سياسية بالأساس، فما شهدته المسيرة النقابية القطاعية بسيدي بوزيد وتحديدا قطاع التعليم الأساسي من تنافس حول مقاعد المكتب الجديد وفوز التيار القومي مقابل إقصاء اليساريين يعد نموذجا لهذا التجاذب السياسي الذي أصبح يتدخل في العمل النقابي وهو ما يؤكد أن الهياكل النقابية ستجد نفسها امام لعبة خطيرة في ظل مخاطر تسييس النضال النقابي ربما تؤدي إلى إنهيار منظومة العمل النقابي، فمن يريد أن يجعل من الإتحاد إمتدادا لحزبه السياسي وفضاء لتصفية الحسابات السياسية الضيقة على حساب نضالات العمال والكادحين والاجراء سيخسر حينها حتما السياسة والنقابة في الوقت نفسه إن العمل النقابي يجب ان يبقى فوق كل إنتماء سياسي فإذا كان من حق السياسي الإنخرط في العمل النقابي فإنه ليس من حقه أن يوظفه سياسيا لأن حقوق العمال والإجراء لاتقبل التوظيف والمزايدة السياسية وهو جوهر العمل النقابي تجسيدا لقولة فرحات حشاد في خطبته أمام المؤتمر العمالي الرابع « إن الرسالة التي نؤديها لاتهدف إلآ لتحقيق مصلحة طبقة العمال وسعادة شعبنا ورفاهيته وتحرير بلادنا ولن نحيد عن طريقنا هذا أبدا» إن الوفاء لمنظمتنا الشغيلة وأهدافها النبيلة لايكون إلآ برفع شعار لا لتسييس العمل النقابي ولعل هذا الشعار هو ما جعلها تكون صامدة طيلة أكثر من نصف قرن لأنها كانت خارج لعبة التوظيف السياسي . إذا كان لكل نقابي الحق في أن يكون له لون سياسي فإنه ليس من حقه أن يفرض لونه إستحضارا لمعاني الإختلاف والتعدد وتجذيرا للديموقراطية داخل العمل النقابي وتأصيلا لمقولة « أفكر معك وضدك في نفس الوقت « نلتقي في التفكير فيما يرتقي بالأداء النقابي ونختلف في تجاذباتنا دون ان تكون هنالك أجندات حزبية توظف الاطر النقابية للشأن السياسي الضيق . ألا يجوز هنا الحديث عن إمكانية توافق داخل المنظمة الشغيلة ؟ ليأخذ مفهوم التوافق دلالة نقابية تنضاف إلى دلالته السياسية المطروحة الآن . وهل يتعارض الإختلاف مع التعايش أم يقتضيه بما يزيد المنظمة الشغيلة صلابة وروحا نضالية ؟