طالعت خبرا مفاده أن الدولة تحصلت على قرض من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي قيمته 190 مليون دينار قصد إنجاز الطريق السريعة وادي الزرقاء بوسالم. ونحن لا ننتقص من قيمة البنية السفلى الكبرى لأنها تظلّ مكسبا للوطن كما لا شكّ أن هذا القرض يعود إبرامه إلى العهد البائد لأن الرئيس المخلوع كان مولعا أشدّ الولع بالأشغال الكبرى وأظن لغايتين أساسيتين: تتعلّق الأولى بانتزاع إعجاب المواطنين بهذه الانجازات وبالتالي الاعتراف بفضل باعثها على الشعب التونسي أما الثانية وأعتقد في ذلك اعتقادا راسخا أنها الفرصة الكبرى لنيل نصيب وافر من الرشاوى من الشركات الأجنبية خاصة ووسطائها ربما عثر على بقايا منها في قصري سيدي الظريف وقرطاج. وتذكرون كيف أن الرئيس المخلوع حالما تقلّد زمام الحكم أمر بحفر شوارع العاصمة وأنهجها وعوّض أنابيب المياه القديمة واستبشر الجميع خيرا وتبيّن مع مرور الزمن أن مجرّد رذاذ يحيل وسط العاصمة إلى برك ماء.. وكان على رأس ديوان التطهير آنذاك ابن شقيقة له، وتذكرون ما حدث بشارع الحبيب بورقيبة حيث كنّا نقتني ما لذّ من الكتب والمجلات ونستمتع برؤية عصافير باب البحر وهي تتماوج أسرابا أسرابا ولا نقلق حين تزقّ بلطف علينا لأنها صارت من جماليات المكان، وأفقنا ذات يوم على آلات الحفر والتنقيب والقلع وبقينا أشهرا نلاحظ بمرارة الفتك بأعزّ شارع لدى التونسيين وحين هدأت العاصفة لم نلاحظ جديدا يبهر بل فقدنا كشكات بيع الكتب والسجلات وكذلك أصناف الزهور.. لكي تقصى بعيدا أو تندثر نهائيا. لسنا ضدّ الأشغال الكبرى التي يدفع الشعب مقابلها في نهاية المطاف ولكنّ الأمر يختلف تماما عن زمن المغالطات والغش والفساد.. بصراحة أتساءل وأنا من أبناء الشمال الغربي ماذا سيفيد تمديد الطريق السريعة وادي الزرقاء بوسالم؟؟! ثم لا ننسى أن ذلك سيكون على حساب الضيعات الفيجاء وكأنها ستذبح من الوريد إلى الوريد.. ألسنا في حاجة، في الواقع، إلى تعيين مسالك ريفية وفكّ الحصار عن جهات تعاني العزلة والتخلف المقيت؟؟ ارتفعت أصوات من أبناء الشعب الكريم الطيب تطالب بطرقات عادية وليست سيارة يسلكها الفلاح والتلميذ وتصل إليها عربات الإسعاف وربما العروض الثقافية.. أصوات ارتفعت بعين دراهم وغار الدماء ومكثر والمناطق الحدودية بالكاف والقصرين وقبلي وقفصة وغيرها.. قد يردّ على هذا النداء بأن هناك التزاما مع الصندوق العربي للإنماء.. لكن الوجهة لم تتغير وبدل أن تسدّد شركة الطرقات السيارة هذا القرض الطويل المدى نسبيا فلماذا لا تقوم بهذا الدور الدولة باسم الشعب التونسي كلّه؟؟ ولا تنسوا أن الجزء الذي وقع تحقيقه من الطريق السيارة تونس وادي الزرقاء لم يحدث انقلابا مشهودا في حياة الجهات بل قضى على عديد مواطن الرزق كانت تقدّم خدمات للعابرين من منتوجات الريف (Terroir) إضافة إلى أخرى هامة أصبح المواطن التونسي كلما قطع الطريق القديمة يحنّ إليها حنينا عارما لأنها تمثل استراحة ممتعة، دون رتوش. وأشير، أنه في الوقت الذي يتذمر فيه الشباب المعطل عن العمل ويطالب بسدّ الرمق كان العهد البائد يتفنّن في تجميل ضاحية قمرت مثلا ويهشم الطريق السريعة المؤدية إلى المرسى ليقيم غيرها لا فوارق كبيرة بينها غير أنها تؤدي إلى قصر قرطاج وضاحية سيدي بوسعيد التي كان الرئيس المخلوع وآله وأصهاره يعتقدون أنهم اكتسبوها للأبد.. لنتجنّب إعادة المهزلة ولنهتمّ بالمناطق المعزولة حتى وان أدّى الأمر إلى إلغاء القرض لأن تسديده في نهاية الأمر، سيكون من عرق الشعب.