مثلما كان متوقعا أثار بيان الأستاذ عز الدين المدني رئيس لجنة جائزة أبي القاسم الشابي ردود فعل وكانت البداية من الدكتور محمد الباردي الذي كان كتب في «الشروق» مقالا كشف التلاعب الذي تمّ في نتائج الجائزة والدكتور مصطفى الكيلاني الذي حرم من الجائزة. وتجدّد «الشروق» تأكيدها على حيادها تجاه كل الأطراف وترحيبها بكل الردود والتعقيبات. بيان على بيان أو حرماني من جائزة أبي القاسم الشابي «على أهلها تجني براقش» اطلعت على نص البيان الذي أصدره عز الدين المدني رئيس لجنة التحكيم لجائزة أبي القاسم الشابي وازداد يقيني بما لا يدع مجالا للشك بأن الرجل صمت أسبوعا كي يبحث له عن سبيل للخروج من مأزق ثم محاولة تضليل الرأي العام الثقافي في تونس وفي الوطن العربي. ولئن حرص المدني على تشويه الحقائق وتعميم الأحكام استدلالا مغشوشا بجمل مستخرجة ضمن تقارير فردية متباعدة لا تتناظم عادة الا في تقرير جامع وقد كنت محكما في عدد من اللجان وأعرف الآليات التي تدار من الداخل فقد أساء لنفسه أولا ولماضيه الابداعي نتيجة استخدامه الدهاء الذي قد يحتاج اليه في مقام غير مقام الفكر والأدب والابداع الفني عامة. ولو واصل المدني لواذه بالصمت في مثل هذه الحال لكان له أسلم أو لو نطق بالحقيقة التي لا تقبل التثنية أو التجميع لضمن له مسلكا آخر يمكن به الاعتذار ضمنا على ما حدث خاصة ان المقربين منه بدؤوا يتهامسون بالحقيقة ولي مثال قريب على ذلك في كليّة الأداب بسوسة إذ صرّح أحمد الودرني بأن شخصي المتواضع هو الفائز الحقيقي بالجائزة ولي زملاء اساتذة شهود على قوله الا أنه يُرجع مسألة تحويل وجهة الجائزة الى اللجنة العليا، وهذا أمر آخر أوضحه الدكتور شكري المبخوت في شهادته. لنتوقف قليلا عند بيان المدني الذي أغرقنا في تفاصيل تبدو للقارئ على كونها حقائق وهي مجرّد كلام في كلام وقد كان بامكانه ان يريح ويستريح لو أظهر تقرير لجنة القراءات بامضاءات الاعضاء كي نغلق بذلك جميعا وبصفة تامة ملف «الفضيحة»، ذكر المدني ما ارتآه اسرارا من غير ذكر اسمي أنا مصطفى الكيلاني وروايتي «كازينو فج الريح» في حين ذكر عددا من الاسماء والعناوين. وحينما أشار الى العملين المختارين الأخيرين اكتفى بذكر اسم واحد. وفي ذلك تقصد فيه الكثير من الدهاء العمليّ حتى لا يُعتبر قوله الصريح دليلا دامغا ضدّ ما اقترفه من إثم والحال ان موضوع الخلاف هو تحديدا حرماني من الجائزة بالاسم وعنوان النص المذكورين ثم صبّ جام غضبه على محمد الباردي وأراد ادخال الشقاق بيننا لأنه لم يُرشّح روايتي في البدء قبل المداولات وهذا لا يتناقض مع ما صرّح به محمد الباردي في اللقاء الصحفي بنادي أبي القاسم الشابي بالوردية يوم 2 جوان الحالي وقد حظي باحترام الجميع، ثم وافق مع كامل الاعضاء على اسناد الجائزة لي، وشهادة محمد الباردي منشورة للجميع في جريدة الشروق الاربعاء 1 جوان الحالي. كما سعى المدني الى التشكيك في شهادة الدكتور شكري المبخوت من اللجنة العليا وهو يعلم أن للدكتور الباردي وللدكتور المبخوت حضورا وتجربة في التحكيم بلجان تونسية وعربية في مجالي البحث الاكاديمي والابداع الادبي. واختم، هنا، بالأسئلة التالية: هل ثمة لجنة قراءات ولجنة عليا ولجنة أخرى أكثر علوّا؟ ثم ألم يغيّب عزالدين المدني نفسه عن الحوار الدائر في وسائل الاعلام، وتحديدا في فضائية حنبعل صباح يوم الاحد 29 ماي 2011، أي بعد يومين من تسليم الجائزة الى غير مستحقها واغلق هاتفه رغم وعده للمذيعة بالمشاركة، وهذا ما أعلنته للعموم؟ ألم يعلّق هاتفه أيضا في وجه جريدة «الحياة الدولية» بعد أن وعد أيضا بالمشاركة في الملف الذي أنجزه عبد الواحد الانصاري بموضوعية ومحايدة وتقنية عالية في حين تكلم غيره ومن أطراف مختلفة؟ ألم يغلق هاتفه في وجه قسم الاخبار بالاذاعة الثقافية التونسية؟ ثم لماذا الالتجاء الآن الى البيان المذكور؟ هل لاثارة الشك بعد أسبوع من تسليم الجائزة وما تلبّسها من فضيحة؟ وعن أي أسرار يتحدّث؟ هل المقصود بها ما ورد في شهادة الدكتور محمد الباردي مع الالماح الى شهادةالدكتور شكري المبخوت ام الى اعضاء آخرين؟ وهل يحق له ان يتصرف في الجائزة بصفة انفرادية وادخال البلبلة كي لا يصدع كل ضمير حي بالحقيقة كما هي في الواقع الى الرأي العام؟ ولماذا نرى عزالدين المدني لا يزال يتحدث اليوم عن سريّ المداولات بخصوص الجائزة ما دام التلاعب قد حدث والمستور أضحى معلوما؟ هل بامكانه حجب «عين الشمس بالغربال»، حسب المثل الشعبي التونسي؟ ألا يستدعي الموقف الكشف للرأي العام عن الحقيقة أم التورّط في المزيد من الاخفاء؟ وهل نتجنى على أصحاب الضمائر الحرة أم نصمت عنهم على الأقل احتراما لجرأتهم ومصداقيتهم ونزاهتهم في زمن بدأت فيه تونس ما بعد 14 جانفي 2011 تقاوم فيه الفساد والافساد؟ ثم لماذا الاستخفاف بجهود اعضاء «لجنة القراءة» التي أقرّت بالاجماع فوزي بالجائزة؟ لماذا لا يحترم عزالدين المدني ومساعدوه أو معاضدوه جهود اعضاء هذه اللجنة وقد اشتغلت في عز الصيف ونالها من التعب الشيء الكثير ما دام هو صاحب القرار الاول والأخير؟ وما حكاية طلب نسخ اخرى مني مرتين بعد اغلاق ملف الترشح، في الاولى بسبب ورقات بيضاء كما يزعم، وفي الثانية بالتعلة ذاتها؟ لنفترض أن نسخة أو نسختين تسرّب إليهما البياض، فلماذا أسلّم في المحصّل العام 13 نسخة والحال أن العدد المطلوب هو خمسة؟ لقد أرسلت خمسة في الاول، ثم ثلاثة، ثم خمسة، وذلك في منتصف نوفمبر 2010، وسائق البنك التونسي قد يشهد على ما أقول، وهو الذي تولى تسلّم النسخ الاخيرة على جناح السرعة في منتصف نوفمبر 2010 بعد أن طلب منّي الساسي حمام وعزالدين المدني نفسه ارسالها عن طريق سيارة أجرة من سوسة الى تونس؟ هل يُراد بهذه النسخ الاخيرة تسليمها الى أشخاص من خارج لجان التحكيم لمقصد لا أعلمه وله علاقة ربما بتحويل وجهة الجائزة؟ سأكون أكثر صراحة ووضوحا بهذا السؤال: هل اللجنة السبعية (من رقم 7) المذكورة في البيان الذي أرسله المدني الى الصحف وهو الحافز على كتابة هذه الورقة، يُراد بها محاولة احداث بلبلة داخل الرأي العام الثقافي واختصار كل اللجان المذكورة في لجنة وهمية سبعية أراد بعقليته الاقصائية حصر مساندي روايتي في شخصين اثنين فحسب والإيهام بأن خمسة هم مناصرو الرواية غير الفائزة في الأصل لا الواقع؟ فما هي أسماء هؤلاء جميعا؟ من حقي أن أسأل وأسأل وأسأل ما دام عزالدين المدني ومساعدوه الاربعة، كما ذكر هو في نص البيان الذي طلع به علينا بعد صمت أسبوع. أكرّر: لكم انتظرت من عزالدين المدني الاديب قبل رئيس الجائزة موقفا آخر يمكث أثرا طيّبا له في قادم الايام، ولكن وهم الخلود لديه يبدو أنه حال دون ذلك. انتظرتُ أثرا غير أثر «براقش» وعليه قول حمزة بن بيض: لم تكن عن جناية لحقتني ... لا يساري ولا يميني جنتني بل جناها أخ عليّ كريم ... وعلى أهلها براقش تجني مصطفى الكيلاني رسالة مفتوحة إلى عزالدين المدني د. محمد الباردي ما كنت لأكتب إليك هذه الرسالة المفتوحة لولا الفضيحة التي تعلقت بجائزة أبي القاسم الشابي هذا العام.وما كنت لأكتب إليك لو لم تدعني الى عضوية هذه اللجنة. معتقدا أنك في شخصي تقدّر ناقدا أدبيا وكاتبا نأى بنفسه عن زمرة كتاب الفساد الذين طفحت بهم الساحة الثقافية التونسية طيلة عقدين أو أكثر، وحوّلوا أنفسهم الى سلطة واهية وعاش بعيدا عن ضوضاء العاصمة ومناوراتها. وما كنت لأكتب إليك لو لم تحوّل مسار الجائزة التي تحمل اسم شاعرنا الكبير، من كاتب الى آخر، بعدما اجتمعت اللجنة واتخذت قرارها بالاجماع وأمضت محضر جلستها لأكون آخر من يعلم، قبيل يومين من تسليم الجائزة أنّك زوّرت وسلّمت الجائزة الى كاتب لم ترشحه اللجنة التي كوّنتها أنت بنفسك. ولا أعتقد أنّك ستكون قادرا على الانكار، لأنّك إن فعلت تكون قد أذنبت مرّتين حتى لا أخطئ ولا أخرج عن مقتضيات الأخلاق. ولا أخفي عليك أنني أكتب إليك متألما، لأنّك زورت أوّلا، ولأنك تجاهلتني وأنت تزوّر وحسنا فعلت لأنّه كان من المفروض أن تعلمني بقرارك الفرديّ الجديد شأن بقية أعضاء اللجنة، وتألمت فوق ذلك لأنك كاتب، فأسفي على كاتب باع ضميره للشيطان. نعم أنت كاتب، عرفتك من خلال كتاباتك، وأنا لا أزال طالبا بكلية الآداب، نهاية ستينات القرن الماضي، كنت وقتئذ كاتبا لامعا، تكتب القصة القصيرة وتكتب المسرحية، وتصدر البيانات الأدبية وكنت تحمل راية التجريب في كتابة القصة والمسرح. وكنت أنا في تلك المرحلة في بداية طريقي أكتب القصة القصيرة وأنشرها في مجلة الفكر، ثم ارتبط اسمك في مرحلة ما باسم أستاذنا توفيق بكار وقد كنتما منكّبين على الاهتمام بالأدب التونسي، وقد أصدرتما المجموعة القصصية التي ألفها علي الدوعاجي، وأذكر نصّك الذي نشرته في مجلة الفكر «الانسان الصفر» عام 1969 وكيف حاربه الظلاميون والمتخلّفون، وأذكر كذلك بيان المساندة لفكرك وحرّيتك في التعبير وتجربتك الفنية، وقد أمضاه خمسة من طلاب كلية الآداب وكنت واحدا منهم. ولا أريد أن أتحدث عن مسيرتك الادارية وتقلّبك في وزارة الثقافة، فذاك أمر لا يهمني، لأني كنت ولا أزال أقدّر فيك الكاتب والمبدع والفنان الذي يملك من الجرأة الفكرية والأدبية والفنية ما جعلك كاتبا متميزا في الساحة الثقافية التونسية والعربية ستينات وسبعينات القرن الماضي. لكن ويا أسفاه. لم تكن إدارتك لجائزة أبي القاسم الشابي إدارة شفافة وسليمة. وقد أثارت جلّ دوراتها احترازات وشكوكا وفضائح أحيانا. ولا نريد أن نذكّرك بالأمثلة لأننا لا نريد أن نسيء الى كتاب لا دخل لهم فيها. وقد لا أفاجئك عندما أقول لك إنّ هذه الجائزة ارتبطت بالفساد والافساد، وفي جلّ الدّورات أحطت نفسك ببعض رموز الفساد من الكتاب طيلة أكثر من عقدين، ولكنك فاجأتني عندما قرأت اسمك في قائمة الستين الأولى التي شرعت لنظام الفساد والاستبداد. وكنت أعتقد ونحن نعيش أحداث الثورة الشعبية في بلدنا، أنّك ستنقطع عن الأساليب القديمة، ولكنك تحدّيت وواصلت وأتيت ما لا يمكن أن يأتيه مثقف شريف. فلم تحترم إرادة شعبنا الذي يطمح الى حياة جديدة تبشر بالديمقراطية والحرية والشفافية. لا أريد أن أشكوك الى أحد. أشكوك فقط الى ضميرك، لعلّه يستيقظ ويحيي فيك صوت الكاتب النابض.