"بعد خلاف حاد.. ماسك يرد على تمنيات ترامب له    كيف ستكون حالة الطّقس ليوم السبت 7 جوان 2025؟    "بسبب عدم اليقين".. وقف أعمال البناء في مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية بالولايات المتحدة    ماذا يجري بين ترامب وماسك؟    سينر يهزم ديوكوفيتش ويتأهل للمرة الأولى إلى نهائي فرنسا المفتوحة للتنس    أبو عبيدة يصدر بيانا بشأن عمليات المقاومة في خان يونس وجباليا    تسجيل 187 انقطاعا للمياه في ماي 2025..    موارد مائية: ضرورة مواجهة الاستغلال المفرط للموارد المائية الجوفية بمرناق    هام/ النقل التلفزي لودية المنتخب التونسي ضد نظيره المغربي..    جيتاس يشارك بالصالون الدولي للطيران والفضاء بباريس من 16 إلى 22 جوان 2025    حاولت تهريب شحنة مخدرات عبر ميناء حلق الوادي.. 15 سنة سجنا ضد فتاة غينية    دولة واحدة فقط في العالم قادرة على إطعام سكانها دون الحاجة إلى الاستيراد.. فما هي؟    ليبيا: اشتباكات دامية في صبراتة أول أيام عيد الأضحى تُخلّف قتلى وجرحى وتعيد مشهد الفوضى إلى الواجهة    كرة اليد.. "عم يونس" حافظ اثاث النادي للإفريقي في ذمة الله    دراسة تحذّر من استعمال الشاشات قبل النوم    تدور المواجهة مساء اليوم.. التشكيلة المتوقعة للمنتخبين التونسي والمغربي    السعودية.. تفاصيل جديدة في مقتل الأستاذ الجامعي    خليل العياري يشعل المنافسة بين عدد من النوادي الأوروبية    مبادرة أوروبية لتنظيم استخدام القاصرين لوسائل التواصل الاجتماعي    ''قطّوسك'' اختفى والا لا؟ علاش القطط تغيب في نهار العيد؟    تكلفة الحج 2025 في العالم العربي: أرقام وصدمات لا تتوقعها!    بالفيديو: لقطة طريفة لخروف هارب على التيك توك    تجريد جولييف من ميداليتها في أولمبياد 2012 بعد رفض محكمة التحكيم استئنافها    امتلأت بهم جنبات المسجد الحرام.. الحجاج يؤدون طواف الإفاضة    والي صفاقس يشارك أطفال قرية "س و س" المحرس فرحة عيد الأضحى    ''السيتروناد واللحم المشوي'': مزيج تقليدي بنكهة صحية في عيد الأضحى    نصائح بسيطة لتفادي مشاكل الهضم في عيد الأضحى    دي لا فوينتي: جمال قدم أوراق اعتماده للفوز بالكرة الذهبية أمام فرنسا    كيف تحافظ على جلد الأضحية في الطقس الحار قبل وصول البلدية؟    هل لاحظت''رعشة لحم العلوش'' بعد النحر؟ إليك التفسير العلمي والديني لهذه الظاهرة    من القلاية للكسكسي: أطباق ما تخرج كان في عيد الكبير!    ما هو طواف الإفاضة؟ فريضة الركن بعد عرفات    وزيرة الشؤون الثقافية ونظيرها الإيطالي يدشنان معرض "مانيا ماتر: من روما إلى زاما    التمديد في نشر فيلق مشاة خفيف وسرية تدخل سريع تونسيين تحت راية الأمم المتحدة في إفريقيا الوسطى    عاجل: موعد مباراة المغرب ضد تونس والقنوات الناقلة للبث الحي والمباشر    الحجاج يرمون الجمرات في أول أيام عيد الأضحى    جمرة العقبة تُرمى فجر العيد... والحجاج يشرعون في النحر والطواف    ماذا بعد الانتهاء من رمي جمرة العقبة الكبرى؟    الأردن وأوزبكستان يحققان إنجازاً تاريخياً بالتأهل إلى كأس العالم 2026    وزيرة الشؤون الثقافية ونظيرها الإيطالي يدشنان معرض "مانيا ماتر: من روما إلى زاما    هل نحمي صغارنا من مشهد الذبح... أم نعلّمه معنى القربان؟    محرز الغنوشي: ''تذبح العلوش ثم البحر ينادي''    عيدكم مبروك...    فريق قسم جراحة الجهاز الهضمي "أ" بمستشفى الرابطة ينجز تقنية متقدمة لعلاج سرطانات البطن    صابة الحبوب: تجميع 992.776 ألف قنطار إلى غاية 4 جوان 2025    العاصمة الإيطالية روما تحتضن معرض "مانيا ماتر من روما إلى زاما"    الأوركسترا السمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى في يومها العالمي 21 جوان    المنظمة الفلاحية تدعو إلى تعديل سعر قبول البطاطا الفصلية ب1350 مي/ كغ كحدّ أدنى    المتاحف والمعالم التاريخية تفتح أبوابها مجانًا للتونسيين والمقيمين هذا السبت    بوسالم.. يضرم النار في جسد طليقته امام مركز البريد    القيروان: وفاة شخصين وإصابة 20 آخرين في حادث انزلاق شاحنة خفيفة بحاجب العيون    نجوم الراي في حلقة استثنائية من برنامج "أنا والمدام" على قناة تونسنا    وزير الفلاحة يفتتح موسم الحصاد بزغوان    مدنين: إحباط تهريب هواتف بقيمة تفوق 690 مليون وفتح تحقيق أمني عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    نحو رقمنة شاملة للقطاع السياحي    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الكاتب حسونة المصباحي    المُثَلَّثُ الشُّجَاعُ والمُسْتَطِيلُ اُلذَّكِيُ    









خميسيات آدم فتحي: درس المتلوّي
نشر في الشروق يوم 09 - 06 - 2011

ما حدث في المتلويّ هذه الأيّام مؤلم ومفزع. وليس من شكّ في أنّ أهلنا هناك يتوجّعون لما حدث مثلما نتوجّع ويسألون مثلما نسأل: كيف يمكن للدم أن يُهرَق بعد 14 جانفي قبل أن يجفّ دم الشهداء الذين صنعوا 14 جانفي؟
ارتفع طبعًا صوت العقل لمحاولة وضع حدٍّ لكلّ هذا. وتدخّل بعض الساسة الحكماء لرأب الصدع. إلاّ أنّ ردود الفعل السياسيّة ظلّت في أحيان كثيرة ولدى أطراف عديدة أقلّ بكثير ممّا تتطلّبه المرحلة، وهو ما لا يقلّ إيلامًا وإفزاعًا.
لم تختلف ردود الفعل في أغلبها عمّا كان يعتمده النظام السابق: التفصّي من المسؤوليّة وتوجيه التهمة إلى واحد من اثنين: الشعب الذي لم يتخلّص من نعراته وغرائزه، أو الأيدي الخفيّة التي تشعل الفتنة.
والحقّ أنّ ما حدث في المتلويّ قد يُنسب إلى شيء من هذا لكنّه ليس كذلك في المُطلق. فأنا ابن الجنوب، وأزعم أنّي عرفتُ المتلوّي بما يكفي منذ زرتُها قبل أكثر من ربع قرن، فوقعتُ في أسرها وأسر أهلها وأصبحت لا أنقطع عن زيارتها حتى في قلب فصل الصيف.
كان البعض من أترابي يقصدون الشواطئ وكنت أقصد الجنوب من نفزاوة إلى حوض المناجم ومن قفصة إلى المتلوّي تحديدًا، وإلى أبنائها المناضلين على كلّ الأصعدة، لا فرق في ذلك بين رجال ونساء وعمّال وعاطلين عن العمل وطلبة ومربّين وكادحين ومثقّفين، أغمس في نبضهم قلبي وأشحن بوجودهم روحي وعقلي مبتهجًا بما يجسّدونه من تآزر على الشدائد وتلاحم في الملمّات وحبّ للحياة.
أتاح لي ذلك أن أرى عن كثب كيف استطاع النسيج الاجتماعيّ أن يصنع من الجذور أجنحة، أي أن يطوّر المفردة القبليّة دون أن يمحوها وأن يسير في اتّجاه الوطن على الرغم من معوّقات المُواطَنة، دون أن يتنكّر للقبيلة.
ليس احترام القبيلة عيبًا أو أمرًا مخجلاً مثلما يروّج الإنكاريّون. فحضور العرش أو القبيلة تحت السطح، ليس خاصًّا بتونس، بل هو ظاهرة عالميّة، ليس في حضورها ما يضير إلاّ ضمن حيثيّات معيّنة، وليس فيه ما يسمح بحدوث ما حدث هذه الأيّام إلاّ بفعل فاعل.
ولعلّ العولمة نفسها بما أنتجته من غربة الفرد وتشظّي النواتات الجامعة، قد ساهمت في بعث أنواع من القبّليّة الجديدة، لا تخلو من جدوى، باعتبارها منظومات للإعلان عن الاختلاف أو لتوحيد الاحتجاج أو للدفاع عن حقّ. وهو ما حدث أثناء الثورة حين توحّد الشعب بكافّة أجياله وفئاته ومناطقه وقبائله وعروشه، والتأم الجرح الفاغر بين الجماهير ونُخَبِها، ونجح الجميع في الإطاحة بالطاغية لأنّهم تصرّفوا وفْق مبادئ الثقافة الجديدة: ثقافة جماعيّة أفقيّة تفاعليّة، لا احتكار فيها للزعامة ولا انفصال بين القمّة والقاعدة.
إلاّ أنّ ما حدث بعد ذلك سرعان ما بدا عودة جديدة إلى الانفصال بين الساسة والجماهير التي يتكلّمون باسمها وينفردون بالقرار دونها ويخوضون بعيدًا عنها صراعات ويعقدون تحالفات وصفقات منتمية إلى الثقافة السياسيّة البائدة.
لأحداث المتلوّي إذنْ صلة بأخطاء الطبقة السياسيّة تحديدًا. فمن الطبيعيّ حين تغيب الدولة أن تبحث الجماعات عن بدائل، ومن الطبيعيّ حين تغيب المؤسّسات أن يلجأ الفرد إلى نواتاته البدائيّة باعتبارها قِلاعًا هُوَويّة أو وسائل لتحقيق أهدافه. ومن الغريب في السياق التونسيّ والعربيّ عمومًا، أن يتصرّف الساسةُ طيلة عقود على أساس أنّهم شيوخ قبائل أو قادة عصابات ثمّ يطلبون من شعوبهم أن لا يتصرّفوا كقبائل!
ثمّة إذنْ من الأخطاء، بل الخطايا السياسيّة ما هو مستمرّ حتى الآن ولم يرحل مع 14 جانفي. أخطاء وخطايا تتعلّق بالخيارات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة المنتجة للحيف والاحتقان. وبتجاهل الخطاب السياسيّ راهن الناس ومعاناتهم اليوميّة العاجلة. وبالقطيعة بين النخبة السياسيّة والشعب، فإذا البعض يتصرّف على أساس أنّ الشعب قاصر سجينُ طفولته محتاج إلى أب أبديّ يقوده بالسلاسل! بينما البعض الآخر يتصرّف وكأنّ شعبه فوق كلّ نقد، معلّقًا كلّ شيء على شمّاعة الآخرين ومن أسمائهم الحسنى: بقايا النظام البائد، فلول الحزب القديم، سدنة الفتنة، إلخ..!
إلى هذه الأخطاء ترجع أسباب ما حدث في جانبه الأعمق. ومن الضروريّ تغيير العقليّة السياسيّة، ومصارحة الناس بالحقائق مهما كانت صعبة، والتخلّي عن فوقيّة الخطاب لمعاملة الشعب بالنديّة التي هو بها جدير، والتحلّي بالوعي اللازم لتحويل أحداث المتلوّي إلى درس يستفيد منه الحاضر والمستقبل. إذ ليس من المصلحة الوطنيّة في شيء التفصّي من المسؤوليّة، واستمرار طاحونة الشيء المعتاد في إنتاج الديماغوجيا نفسها من خلال عكاظيّات الهجاء والمديح المعتادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.