زيارة تاريخية لوزير الخارجية التونسي إلى قطر    سمير عبد الحفيظ من طبرقة.. الإقليم الأول مُؤهّل ليكون قطبا جذّابا للتنمية والمشاريع    ارتفاع صابة الغلال الصيفية ذات النوى في 2025    معهد الرصد الجوي.. درجات الحرارة اعلى من المعتاد خلال ماي وجوان وجويلية    سفير السعودية بتونس: مرحبًا بالحجاج التونسيين في ضيافة الله والمملكة    كيف تحافظ على صحّتك في الحجّ؟ دليلك الشامل خطوة بخطوة    مشاكل صحية شائعة لدى النساء بعد سن الثلاثين وطرق الوقاية    الإتحاد المنستيري.. المستوري والحرزي جاهزان لمواجهة الإفريقي    القيروان : حافلة تصطدم بمقهى    الدخول مجاني اليوم لمباراة منتخب السيدات ضد الطوغو بصفاقس    النسخة 29 من "الكومار الذهبي للجوائز الأدبية"/ بالأسماء..الاعلان عن قائمة المتوجين في المسابقة..    وزارة الصحة تحذر من مخاطر ارتفاع ضغط الدم    شجرة نخيل تهوي على ضيف بمهرجان كان السينمائي نقل إثرها إلى المستشفى    الفاتيكان يُنَصّبُ البابا ليو الرابع عشر بحضور قادة العالم    اليوم: الحرارة تصل الى 35 درجة    السخيري هدّاف مع آينتراخت فرانكفورت ويضمن المشاركة في رابطة الأبطال    العدوان الهمجي وتدمير المستشفيات مستمر.. أكثر من 120 شهيدا في غزّة منذ فجر اليوم    المعهد الفلكي المصري يكشف موعد عيد الأضحى    فضيحة "الشهائد المزورة" تهز المغرب.. شبكة فساد تطال حتى القضاء!    الدبيبة.. الككلي كان يسيطر على 6 مصارف ومن يُخَالِفُهُ يدخله السجن او المقبرة    غدا: غدا: إنطلاق رزنامة اختبارات الثلاثي الثالث للمرحلة الابتدائية    علي معلول يغادر الملعب غاضبا بعد هدف فوز الأهلي المصري على البنك الأهلي    الفرجاني يؤكد استعداد تونس للعمل مع منظمة الصحة العالمية في مجال تصنيع اللقاحات    بعد طغيان المادة على كل المبادئ .. الربح السريع يسقط القيم    قريش بلغيث رئيس مجلس إدارة شركة التجميع بالقيروان ل «الشّروق» الأولوية لتخزين القمح    تونس تدعو لتعزيز التعاون العربي في قمة بغداد التنموية الاقتصادية الاجتماعية    وزير التجهيز من نابل ..تقدّم أشغال مشروع طريق قربص بأكثر من 80 %    يوم دراسي للترويج للسياحة بالقصرين    تحسّن الوضع المائي في تونس: سدود تقترب من مليار متر مكعّب بعد الأمطار الأخيرة    بوعرادة تحت شعار تراثنا وهويتنا: ايام تثقيفية و ندوات فكرية    مجموعات غنائيّة هاوية بصفاقس ابدعت في آدائها ….الازهر التونسي    صفاقس : الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 18" …دورة واعدة لأكبر معارض البناء في تونس    طقس الليلة    القصرين: وزير السياحة يعلن حيدرة بلدية سياحية    عاجل/ قمة بغداد: عبّاس يدعو المقاومة الى تسليم سلاحها    قربص.. البحر يلفظ جثة امرأة مجهولة الهوية    عاجل/ العدوان على غزّة: مفاوضات جديدة في قطر دون شروط مسبقة أو مقترحات    تعداد السكّان: أبرز الأرقام.. #خبر_عاجل    حادث مرور قاتل في القيروان.. #خبر_عاجل    النفيضة: سيدي سعيدان تحتفل بثروتها الخزفية    عاجل/ تشمل حمادي الجبالي وفتحي دمّق: تطورات جديدة في قضية التخطيط لعمليات اغتيال    تونس: شلل في حركة الميترو رقم 1 و 6    جندوبة: يوم مفتوح لتحسيس وتقصي أمراض الكلى    عاجل/ تعداد سكّان تونس: الإناث يتجاوزن الذكور بهذه النسبة..    وفد صيني يزور القيروان    تونس: مشروع قانون جديد لتنظيم التسويق الإلكتروني في تونس    القمة العربية في بغداد: حضور مكثف ووزير الخارجية التونسي ينوب قيس سعيد    برنامج مقابلات ربع نهائي كأس تونس لكرة القدم    "موديز" تخفّض التصنيف الائتماني لأمريكا والبيت الأبيض يرُد بحدّة.. #خبر_عاجل    تونس تعرب عن استعدادها لتكون أرض التلاقي بين الأشقاء الليبيين من أجل حوار ليبي – ليبي برعاية بعثة الأمم المتحدة    أي مستقبل للمؤثّرين؟    نهائي كأس تونس لكرة القدم يوم 1 جوان في ملعب رادس    قرارات الرابطة الوطنية لكرة القدم المحترفة    الملتقى العربي للنص المعاصر من 23 إلى 25 ماي 2025    موعد وقفة عرفات 2025...فضل الدعاء والأعمال المستحبة في هذا اليوم    زغوان: انطلاق أشغال ترميم قوس النصر الجنوبي    دعاء يوم الجمعة للأبناء وزيادة الرزق    برشلونة يحسم لقب البطولة الإسبانية للمرة 28 في تاريخه    









خميسيات آدم فتحي: درس المتلوّي
نشر في الشروق يوم 09 - 06 - 2011

ما حدث في المتلويّ هذه الأيّام مؤلم ومفزع. وليس من شكّ في أنّ أهلنا هناك يتوجّعون لما حدث مثلما نتوجّع ويسألون مثلما نسأل: كيف يمكن للدم أن يُهرَق بعد 14 جانفي قبل أن يجفّ دم الشهداء الذين صنعوا 14 جانفي؟
ارتفع طبعًا صوت العقل لمحاولة وضع حدٍّ لكلّ هذا. وتدخّل بعض الساسة الحكماء لرأب الصدع. إلاّ أنّ ردود الفعل السياسيّة ظلّت في أحيان كثيرة ولدى أطراف عديدة أقلّ بكثير ممّا تتطلّبه المرحلة، وهو ما لا يقلّ إيلامًا وإفزاعًا.
لم تختلف ردود الفعل في أغلبها عمّا كان يعتمده النظام السابق: التفصّي من المسؤوليّة وتوجيه التهمة إلى واحد من اثنين: الشعب الذي لم يتخلّص من نعراته وغرائزه، أو الأيدي الخفيّة التي تشعل الفتنة.
والحقّ أنّ ما حدث في المتلويّ قد يُنسب إلى شيء من هذا لكنّه ليس كذلك في المُطلق. فأنا ابن الجنوب، وأزعم أنّي عرفتُ المتلوّي بما يكفي منذ زرتُها قبل أكثر من ربع قرن، فوقعتُ في أسرها وأسر أهلها وأصبحت لا أنقطع عن زيارتها حتى في قلب فصل الصيف.
كان البعض من أترابي يقصدون الشواطئ وكنت أقصد الجنوب من نفزاوة إلى حوض المناجم ومن قفصة إلى المتلوّي تحديدًا، وإلى أبنائها المناضلين على كلّ الأصعدة، لا فرق في ذلك بين رجال ونساء وعمّال وعاطلين عن العمل وطلبة ومربّين وكادحين ومثقّفين، أغمس في نبضهم قلبي وأشحن بوجودهم روحي وعقلي مبتهجًا بما يجسّدونه من تآزر على الشدائد وتلاحم في الملمّات وحبّ للحياة.
أتاح لي ذلك أن أرى عن كثب كيف استطاع النسيج الاجتماعيّ أن يصنع من الجذور أجنحة، أي أن يطوّر المفردة القبليّة دون أن يمحوها وأن يسير في اتّجاه الوطن على الرغم من معوّقات المُواطَنة، دون أن يتنكّر للقبيلة.
ليس احترام القبيلة عيبًا أو أمرًا مخجلاً مثلما يروّج الإنكاريّون. فحضور العرش أو القبيلة تحت السطح، ليس خاصًّا بتونس، بل هو ظاهرة عالميّة، ليس في حضورها ما يضير إلاّ ضمن حيثيّات معيّنة، وليس فيه ما يسمح بحدوث ما حدث هذه الأيّام إلاّ بفعل فاعل.
ولعلّ العولمة نفسها بما أنتجته من غربة الفرد وتشظّي النواتات الجامعة، قد ساهمت في بعث أنواع من القبّليّة الجديدة، لا تخلو من جدوى، باعتبارها منظومات للإعلان عن الاختلاف أو لتوحيد الاحتجاج أو للدفاع عن حقّ. وهو ما حدث أثناء الثورة حين توحّد الشعب بكافّة أجياله وفئاته ومناطقه وقبائله وعروشه، والتأم الجرح الفاغر بين الجماهير ونُخَبِها، ونجح الجميع في الإطاحة بالطاغية لأنّهم تصرّفوا وفْق مبادئ الثقافة الجديدة: ثقافة جماعيّة أفقيّة تفاعليّة، لا احتكار فيها للزعامة ولا انفصال بين القمّة والقاعدة.
إلاّ أنّ ما حدث بعد ذلك سرعان ما بدا عودة جديدة إلى الانفصال بين الساسة والجماهير التي يتكلّمون باسمها وينفردون بالقرار دونها ويخوضون بعيدًا عنها صراعات ويعقدون تحالفات وصفقات منتمية إلى الثقافة السياسيّة البائدة.
لأحداث المتلوّي إذنْ صلة بأخطاء الطبقة السياسيّة تحديدًا. فمن الطبيعيّ حين تغيب الدولة أن تبحث الجماعات عن بدائل، ومن الطبيعيّ حين تغيب المؤسّسات أن يلجأ الفرد إلى نواتاته البدائيّة باعتبارها قِلاعًا هُوَويّة أو وسائل لتحقيق أهدافه. ومن الغريب في السياق التونسيّ والعربيّ عمومًا، أن يتصرّف الساسةُ طيلة عقود على أساس أنّهم شيوخ قبائل أو قادة عصابات ثمّ يطلبون من شعوبهم أن لا يتصرّفوا كقبائل!
ثمّة إذنْ من الأخطاء، بل الخطايا السياسيّة ما هو مستمرّ حتى الآن ولم يرحل مع 14 جانفي. أخطاء وخطايا تتعلّق بالخيارات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة المنتجة للحيف والاحتقان. وبتجاهل الخطاب السياسيّ راهن الناس ومعاناتهم اليوميّة العاجلة. وبالقطيعة بين النخبة السياسيّة والشعب، فإذا البعض يتصرّف على أساس أنّ الشعب قاصر سجينُ طفولته محتاج إلى أب أبديّ يقوده بالسلاسل! بينما البعض الآخر يتصرّف وكأنّ شعبه فوق كلّ نقد، معلّقًا كلّ شيء على شمّاعة الآخرين ومن أسمائهم الحسنى: بقايا النظام البائد، فلول الحزب القديم، سدنة الفتنة، إلخ..!
إلى هذه الأخطاء ترجع أسباب ما حدث في جانبه الأعمق. ومن الضروريّ تغيير العقليّة السياسيّة، ومصارحة الناس بالحقائق مهما كانت صعبة، والتخلّي عن فوقيّة الخطاب لمعاملة الشعب بالنديّة التي هو بها جدير، والتحلّي بالوعي اللازم لتحويل أحداث المتلوّي إلى درس يستفيد منه الحاضر والمستقبل. إذ ليس من المصلحة الوطنيّة في شيء التفصّي من المسؤوليّة، واستمرار طاحونة الشيء المعتاد في إنتاج الديماغوجيا نفسها من خلال عكاظيّات الهجاء والمديح المعتادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.