لقد أثار موضوع بدائل المجلس التأسيسي المنتظر وانتخابه أسئلة مفادها ان إبدال انتخاب المجلس التأسيسي المنتظر باستفتاء شعبي حول العمل بأحد مشروعي الدستور اللذين أعدهما المجلس التأسيسي السابق وهما المشروع الرئاسي المتوازن والمشروع الرئاسي والعمل به هو رأي صرّح به بمجرد الانتهاء من التعرض لأحكام كل من القانونيين القانون الانتخابي الذي طبقت أحكامه على المجلس التأسيسي الاولي والذي ستطبق أحكامه على المجلس التأسيسي المنتظر دون التعمق في الأسباب المبررة للجوء الى الاستفتاء بدلا عن الانتخاب. حقا لا بدّ من الاعتراف بأن أسباب العدول عن اجراء الانتخابات وإن كانت عديدة ومتنوعة فقد فضلت الخوض في سبب واحد منها وهو سبب له علاقة بالقانون وبعيد عن السياسة. ولا بد من التأكيد ان سبب العدول عن الانتخابات المزمع اجراؤها سوف لن تعبّر نتيجتها عن ارادة الشعب. ماذا يريد الشعب من الانتخابات؟ يريد الشعب انتخابات يفوز فيها الشخص الذي اختاره وتحصل على الأصوات التي تضمن له الفوز قانونا. إن ما ذهبت اليه النصوص القانونية المتعلقة بالانتخابات قديما وحديثا لا يحقق رغبة الشعب. ولا بد من لفت النظر الى أنه إن أكد القانون الانتخابي لسنة 1957 ومثله القانون الانتخابي لسنة 2011 بأن الانتخابات ديمقراطية وتعددية وشفافة ونزيهة، فإن الشعب غايته ان تكون نتيجة الانتخابات لا الانتخابات هي الديمقراطية. وهكذا فإن الشعب غير معين بالطريقة المستعملة للوصول الى النتائج وانما هو معني بأن تكون النتائج متفقة مع إرادته. وعليه فإن كل المعدات المادية والبشرية التي توفر لتنظيم الانتخابات والاشراف عليها والمحافظة على نزاهتها هي قوى مضاعفة وأموال مهدورة اذا كانت مهامها تتعلق بما لا يريده الشعب ولا يرضاه. إن المقارنة بين القانون لسنة 1957 والقانون الانتخابي لسنة 2011 الغاية منها بيان ان التكييف الذي وضع للاقتراع خال من كل شعبية وهو حجة على أن عملية التصويت هي قيام برياضة فكرية لا حاجة للشعب فيها تؤول نتيجتها الى ان يخرج بكل شفافية ونزاهة من صندوق الاقتراع زيدا وزيدة والشعب يريد عمرا وعمرة. إن كان من المعقول سنة 1957 نظرا لمكانة بورقيبة ولقوة حزبه في البلاد ان تقبل نتيجة انتخابات أول مجلس تأسيسي رغم انها اقتضت بأن تكون السياسة بيد من يريده النظام. إن الطريقة المتبعة وهي التصويت في دورة واحدة وعلى قائمة بلا خلط ولا تشطيب حرية بأن ينتخب بها مجلس يكون فيه من يريد النظام القائم ان يكون فيه ويبعد منه من يريد النظام ان يبعد عنه. ولهذا الغرض تكوّنت سنة 1956 جبهة قومية ضمت الحزب الحر الدستوري والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والاتحاد الوطني للزراعيين وشخصيات وطنية وفازت القائمة الحمراء وهي قائمة هذه الجبهة. إن كان هذا هو الغرض من التصويت على القائمة سنة 1957 فإن الغرض من التصويت على القائمة سنة 2011 يبقى غير معلوم ولا يعرف الا بعد الاعلان عن النتائج وتفرضه انتخابات ديمقراطية شفافة ونزيهة حب من حب وكره من كره. مع التأكيد بأن النتيجة تكون مخالفة لإرادة الشعب سواء كانت متفقة مع ارادة واضع القانون او مخالفة لها. إن كان هذا هو سبب اقتراح ابدال الانتخابات بالاستفتاء الشعبي فإنه يوجد سبب آخر لا يقل أهمية عن الأول وهو التالي: لقد كانت للنظام القديم حكومة موازية للحكومة الرسمية توجد الأولى داخل القصر والثانية خارجه فإن للنظام بعد الثورة مؤقتة وحكومة شمس مختلفة عن حكومة الظل المنسوبة اليه دون دليل. أما حكومة الشمس فإنها حكومة متكونة بالخصوص من: 1 الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي أحدثت بالمرسوم عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011 المنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 13 المؤرخ في 1 مارس 2011 صحيفة 200. 2 اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد التي أحدثت بالمرسوم عدد 7 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011 والمنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 13 المؤرخ في 1 مارس 2011 صحيفة 201. 3 اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق في التجاوزات المسجلة خلال الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 الى حين زوال موجبها التي أحدثت بالمرسوم عدد 8 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011 والمنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 13 في 1 مارس 2011 صحيفة 203. 4 الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الاعلام والاتصال التي أحدثها المرسوم 9 لسنة 2011 المؤرخ في 2 مارس 2011 والمنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 14 في 4 مارس 2011 صحيفة 225 مع الاعتراف بأنها عوضت بوزير بمفرده والحق يقال. 5 اللجنة الوطنية لاسترجاع الأموال الموجودة بالخارج والمكتسبة بصورة غير مشروعة التي أحدثت بالمرسوم عدد 15 لسنة 2011 المؤرخ في 26 مارس 2011 والمنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 21 المؤرخ في 29 مارس 2011 صحيفة 384. 6 الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المحدثة بالمرسوم عدد 27 لسنة 2011 المؤرخ في 18 أفريل 2011 والمنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 27 المؤرخ في 19 أفريل 2011 صحيفة 488. مع التأكيد بأن الهيئة الاخيرة ممثلة في العاصمة وفي الآفاق وفي الخارج. ومن المؤكد ان كلفة الحكومة المؤقتة وكلفة حكومة الشمس تبرر حذف واحدة منهما رأفة بالشعب المسكين والسلام. الهادي كرّو