بعد ثلاثة وعشرين عاما من الكبت السياسي والإعلامي والثقافي كان علينا جميعها أن نتهيأ للجدل والنقد والاعتراف بأخطائنا، إذ لا يمكن لهذه الدولة أن يعادة بناء أسسها بغير القطع مع أخطاء الأمس، ولعل من أبرز أخطاء الأمس صمت المثقفين على حقوقهم في المساهمة داخل مؤسسات الدولة لنشر أفكارهم ورؤاهم تنويرا للمتلقين وتطويرا لعقلياتهم النقدية، ويبدون أن إذاعة تونس الثقافية هي واحدة من المؤسسات الإعلامية التي ينتظر الكل أن يتطور أداؤها الإعلامي خدمة للثورة ولثقافتها الجادة التي ترفض كل تهميش للمثقفين وكل تكميم لآرائهم. ولعل ما قراناه في هذه الصحيفة بتاريخ 8 جوان 2011«لا دكتاتورية بعد الثورة» والممضى تحت اسم «أسرة إذاعة تونس الثقافية» قد أثار جملة من الملاحظات نرى لزاما علينا إثارتها، رغبة منا في تأسيس ذلك الإعلام الجاد الملائم لمجتمع جديد قوامه الحرية والمساواة بين أفراد هذا الشعب الذي ظل لعقود يعاني من فردية الاختيارات وتهميش الكفاءات وطغيان الجهويات وسلطة الانتماءات السياسية المعلومة. 1 يعلم الجميع أن هذه الإذاعة لها خصوصية يحددها«الاختصاص» إذ أنها تأسست لتكون فضاء ومنبرا للمبدعين التونسيين ولكنها ظلت ومنذ تأسيسها سنة 2006 عصية على أغلب المثقفين والجامعيين ذلك أنها كانت تحكم بسياسة الصمت والتهميش، إذ أنها غيبت كل تداول على انتاج برامجها فكرست نفس الأسماء وظلت نسبة التجديد والتطعيم داخل انتاج برامجها ضئيلة جدا. لقد سعينا منذ الإدارة السابقة لهذه الإذاعة للمساهمة في تغيير أدائها فتقدمنا بمشروع برنامج لتسجيل حلقات مع عدد من السياسيين والمثقفين الذين أصدروا كتبا ومذكرات أثرت في قراءة الواقع السياسي والثقافي كمحمد مزالي والباجي قايد السبسي والبشير بن سلامة وألفة يوسف...وأردنا أن نحول هذه اللقاءات المكتوبة والتي كنا أنجزنانها ونشرناها إلى لقاءات سمعية غير أننا جوبهنا بالصمت. 2 لقد كانت هذه القناة الإذاعية تحظى بحماية كلية وبدعم تام لقراراتها الانتقائية للأسماء المتعاملة معها ذلك أن التظلم لدى «الرؤساء» لا يجد أي صدى، ولا نخفيي سرا إذا بحنا به، ذلك أننا ومنذ تأسيسها كنا من الذين سعوا إلى الانضمام إلى المنتجين الخارجيين المتعاملين معها، ولكننا جوبهنا بسياستين الصمت والتهميش، لقد كنا من الذين تظلموا لدى رئاسة الجمهورية ووزارة الاتصال ولكنها دكتاتورية«المجهول» حيث لا أمل غير إمكان جديد. 3 لقد حاولنا الاحتجاج على هذه السياسة الإعلامية الثقافية الاحتكارية لهذه القناة بكتابة عدد من المقالات الصحفية والتي صدر بعضها بعد أن شوهته يد الرقيب وحجبت عددا منه قدرة القادرين، ولكننا لم نتلق من هذه المؤسسة أي ردّ، ما يؤكيد للجميع انتهاجها لخط إعلامي قوامه احتقار الرأي الآخر والمواصلة في التصرف في الملك العام بعقلية فئوية الملامح والأبعاد. 4 لقد قامت هذه الثورة لتغيير «خراب الدولة» ذلك الذي كان الإعلام طرفا أساسيا فيه ولذلك كنا من الذين أرادوا أن يساهموا في تغيير السائد، فكتبنا بعض المقالات ونشرناها، وحاولنا كغيرنا أن نتقدم إلى هذه الإدارة، وإدارتها العامة ببرنامج نطالب من خلاله بحقنا في المساهمة الثقافية الإعلامية داخل هذه القناة ولكن لا مجيب. 5 ما الذي ترانا سنفعل؟ كان علينا أن نبحث عن الجهة التي تجيبنا فوجدناها في الوزارة الأولى والتي أوكل إليها أمر الإعلام بعد حل وزارة الاتصال «فوجهنا تظلمنا إلى الوزير الأول «الباجي قايد السبسي» ولكن لا جواب. ولعل حرية الإعلام ومنطق المسؤولية واحترام حق المواطن في الحصول على ردّ من الإدارة يجعلنا نعيد السؤال: هل نحن أمام دكتاتورية فرد أم أمام دكتاتورية«المجهول»؟. 6 هو ذلك الأمل الذي يينور صباح الإبداع مثل بداية مشوار للأمم والذي يجعل قام الكائن أحسن من ماضيه، هي تلك الجملة التي كنا نلجأ إليها أيام كنا تلاميذ ولحظة شعورنا بالغبن «لي ولك الثورة» وكذلك نقول أيضا : «أغدا تكون لنا مؤسسات تقدر فينا عمق الموانة حيث نرفع الرأس عاليا.