(1) في تطوّر المشهد الاعلامي بعد 14 جانفي 2011 تاريخ ثورة الشباب التونسي تلك التي كتبت بالدم طموحات ابناء هذا البلد يلاحظ المتابع للساحة الاعلامية التونسية تطورا واضحا لها ذلك أنها بدأت تعي جدية رسالتها. إننا نقف على طرح نوعيّ لجملة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كانت منذ وقت قصير من الممنوعات والمحرمات تصل الى حد الكبائر. لقد أضحى القارئ للصحافة التونسية اليومية يتابع تحقيقات وأخبارا وأحاديث صحفية تقرّبه من شواغله وتفتح أبواب التقائه بالمسؤول وبالحدث. من هنا تحضر صراحة ووعي وشفافية التعامل ما بين المؤسسات من ناحية والمواطن من ناحية أخرى فتغيب الاشاعات والتأويلات النفعية الخبيثة الرهانات وتتأكد سيادة الحقيقة وارادة الشعب ووضوح معاني المواطنة وأبعادها فتتكرس قانونية الاجتماع وعلوية مؤسساته. ولعل المشهد البصري هو ذاته قد شهد تحولا نوعيا إذ أنه عايش دخول ما يعرف في العالم الغربي «بتلفزة الواقع» تلك التي تنكبّ في برامجها على هموم الافراد ومآسيهم وتدخل بهم الى أدق خصوصيات المواطنين سيما تلك التي عانت من تهميش حياتها ووجودها وواقعها فأضحت نسيا منسيا حتى اننا لاحظنا مؤخرا اصرارا واضحا من عدد من المواطنين على رفض التحدث لقنواتنا الرسمية والخاصة. لعل المطلوب بعد هذه الأحداث المشرفة للتونسيين المطالبة بتلفزة ابراز «الحقوق» والوقوف على كل تجاوزات الادارة والمسؤول للاشادة بأمرين أساسيين: أولهما: حرمة المواطن والدفاع عنها وصيانتها من كل تجاوز مهما كان مأتاه. وثانيهما: اعطاء القانون سيادة أساسية حتى لا يعلى عليه أي شيء. (2) في البحث عن لغة الحوار والاحترام إن هذا التطور الاعلامي البصري الذي تجاوز السائد والمألوف نح الواقعي الاحراجي لا يمكن أن يتطور من غير أن نشير الى نقائص تنتظر انفتاح المسؤولين عليها. ولعل أبرزها مغادرة «التقاليد» السائدة في التعامل مع المثقفين والنخب من الاعلاميين والجامعيين والكتاب الذين كانوا ولازالوا يعانون من صمت مفزع تجاه آرائهم وبرامجهم المقدمة لهذا الجهاز الاعلامي التونسي لحما ودما. إن «الكل» يتساءل: هل ستتغير سياسة هذا الجهاز مع الاعلاميين والكتاب والمثقفين والنخب؟ وما مقاييس التعامل مع البرامج المقدمة للادارة؟ وهل ستتغير لغة الصمت والغياب بين المسؤولين عن هذه الدار من جهة وبين المنتجين من جهة أخرى؟ إن المشاهد التونسي مثله مثل النخب الثقافية والفكرية من حقه ان يلمس أثار هذه النقلة الاعلامية. فإذا كان هذا الجهاز الاعلامي قد يتغير فعليا في مستوى الهيكلة والتسيير فإن طرق التعامل مع الأفراد والجماعات المنتجة آن لها أن تتغير هي ذاتها لتدخل سياسة الاشتراك في الرأي. إن الصمت تجاه «الأغلبية» لا يمكن ان يكرس اعلاما متطورا ومسؤولا بقدر ما يكشف عن وجه في مرآة بحاجة للتلميع. إن النقاش مع الآخر والتجادل معه لا يتم في غياب صاحبه ولا في عقلية فرد أو أكثر بل هو استدعاء لصاحب المجهود قصد الوقوف على الرأي والرأي الآخر لأن في غياب «الكاستنغ» في مجال أي مشروع اعلامي انتاجي تغيب شفافية الاختيار والتسيير. (3) الشاهد إن تطور أي مشهد اعلامي هو رهين أمرين أساسيين: أولهما: الارادة السياسية. وثانيهما: المبادرات الفردية للنخب وتوجهات المسيرين للقطاع. ان الاعلاميين والكتاب والمثقفين يشكون الى حد الساعة من وجود «فيتو» داخل التلفزة حول بعض الاسماء لا لذنب اقترفته غير اختلافها في الرؤى أو هو الموقف الاخر من الممكن داخل هذا الجهاز الذي ظل لزمن يحكم من خارج هذه المؤسسة. كما تشتكي النخب شأنها في ذلك شأن عدد من المشاهدين من هذا التعميم والسطحية والارتجال المرافق لتناول التلفزة التونسية للملفات اليومية. فأي تفسير نحمله حول غياب الملفات المختصة في معالجة مشكل واحد ومحدد بقضية مختصة كالاعلام او كالرشوة او كالفساد او كالديمقراطية او كدور الجمعيات في المجتمع او كمعنى الحرية؟ وما سر تغييب عدد من رموز الثقافة والاعلام عن الملفات التلفزية اليومية؟ لعلنا اليوم نطالب بتلفزة وطنية تعود الى التعبير عن واقع ظل لزمن منسي لغياب منطق الحوار وحرية التعبير وتكريس الانحياز للحاكم ومصالحه. هي محاولة لاعطاء الثورة حق القول وحق الاختلاف والابتعاد عن سياسة الصمت والتهميش وخاصة «الحقرة» التي أدت الى خلق توتر بين الفرد والحاكم. اننا نريد أن ننسى ذلك الزمن الذي كانت فيه الكتابة عن الاعلام مسا بأمن الدولة وبحثا في الخلفيات. فهل لنا ان ننتظر عصرا آخر للتعبير وللتغيير وللقول غير زمن هذه الثورة التي هدت عروش الدكتاتورية طامحة الى محو أسماء شركائها وكل من ساهم في تكميم الافواه والعيون.