ما تكاد البلاد تتنفس الصعداء وما يكاد الناس يطمئنون لاستقرار الأمن الا وتظهر أصوات متدثرة في الظاهر بخطاب ضد القمع بقصد إرباك العمل الأمين وادخال الفوضى في صفوف رجال الامن والتحضير لانفلات أمني جديد. فمن مدة ظهر أحد الإطارات الأمنية ليكيل التهم ويبث الاشاعات في حين أن غرضه لا يتعدى الوصول الى منصب مدير عام بالوزارة، وقد سبق له أْن اضطلع بمهام خطيرة بالوزارة المذكورة في العهد السابق، سواء من حيث تكوين الإطارات أو من زاوية تنفيذ مهام ملعونة. وبعده مباشرة وبعد أن هدأ الخطاب السياسي عند كل الأحزاب واتخذ وجهة معقولة، قام طرف بعينه وبدون مبرر ملموس ليجيّش الناس ثانية ضد الأمن وضد الوزارة معتمدا على خطاب ظاهره رحمة وباطنه عذاب. وتجمع كل الأطراف السياسية أن مثل هذا الخطاب في مثل هذه اللحظة الفارقة بالذات ليس له ما يبرّره، الا نوايا سياسية مبيتة وبلا معنى، خصوصا ان هذا الطرف يعيش موجة من الاستقالات الجماعية وتشقه صراعات عديدة تخص وضعيته كلاعب سياسي وتحالفاته خصوصا أن حجمه عدديا محدود جدا. وبالتالي فإنه لا بدّ له من تعويض محدودية الحجم بقوة الخطاب. إن ارتباط وزارة الداخلية في المخيال الشعبي بالقمع والتضييق على الناس له ما يشرحه، خصوصا ان هذا الجهاز قد تم استعماله منذ الاستقلال لأغراض سياسية، ولكن الأمر اختلف بعد 14 جانفي لأن هذه الثورة قد قضت على عهود كاملة من الاستبداد وقد مهّدت الطريق لإعادة هيكلة الأمن بما يضمن أن تتمثل مهمته الوحيدة في المستقبل في حماية الناس وفي حماية المجتمع وفي حماية البلد كل. وهذا سوف يتطلب وقتا وجهدا ولن يحدث بين يوم وليلة ولن يكون الا بعد مدة. ومن هنا الى ذلك الوقت فإنه من واجب الأحزاب والمنظمات أن تراقب أداء الأمن وأن تعلن عن أي خلل فيه. لكن ليس من واجبها أن تفتعل ما لا وجود له، أو أن تنطلق من تصورات لا وجود لها لتبني عليها حقائق مزيّفة أو أن تجيّش الناس ضد الجهاز الأمني لنعيش بعدها ومرة أخرى انفلاتا أمنيا تزهق خلاله الأرواح ويقع الاعتداء على المنشآت، فتكون النتيجة الأخطر دعم القوى المتربصة بتونس وبثورتها والتأسيس لثورة مضادة حقيقية.