كان ممكنا لأسواق القلق أن تكسد بضاعتها حتى وإن كنا في أقصى درجات الفراغ والإفلاس والحيرة... ثم من قال إن للقلق سوقا رابحة أو خاسرة، القلق هو مظلوم من طرف الفلسفة، كمادة تناولها المفكرون حتى تكسد سوقها ويرفعون حينئذ من معنويات القلق كضرورة لمرآة اليسر في حياة المرء أمام الذي يتبعه القلق فذاك امرئ صالح فاتبعوه...والذي يمشي وراء القلق على أنه جباية لازمة الدفع فذاك امرئ من سلالة الجراد، فاحذروه.... أولا، على الفرد منا أن يقرأ كتابا فإن لم يجد فجريدة فإن لم يجد عواقبه ويستعد لإزاحة القلق بما يرضي اللّه تعالى... ثانيا : إن أقدم الفرد منا إلى ميدان اللهو فرحا فقد أثري بضاعة القلق ليشد قلقه غدا. ثالثا : يموت الشيطان كمدا ويغلق حانوته ويشعر بالغثيان ويصيبه الإفلاس لما يلجأ الفرد منا إلى بيته دون أن يقتني من بضاعة اللهو شيئا. رابعا لو كان القلق موظف دولة، لانتحر القانون قبل موجب الإصدار ولاحترقت الأوراق النقدية حتى لا يتناولها القلق الذي تدلى كحبل المشنقة لأصحاب الرؤوس الخسيسة. خامسا، وللأسف خابت سباقاتتا إلى الكتاب المادة الوحيدة التي لها قدرة على تنظيف الدنس وإزاحة الجهل من العقول البشرية للفصل بينها وبين الحيوان وبالتالي تجعلنا على الأقل نقيم أنفسنا بتصحيح حقيقي بين آفة القلق وانسياقنا لمجابهة سوق القلق اللامربحة فعلا. سادسا، على الدولة، أن لا تصدر إلينا مادة القلق على إنها ضريبة العصر، فالضرائب تأتي من صنع الفراعنة وفعائل الفسد، وشنائع الفاسقين وعدوى الكبائر وانتشار الموبقات، وجرائم الرؤوس الغليظة التي يحكمها الجهل ووفرة المال والإرادة العمياء ونحو اللاشيء. سابعا : على الحر أن لا يتجنب فوضى غرائزه كمادة لا مسؤولة على فعائلها فإن نجت التحف فاعلها بحكمة من عنده فقط وإن شنعت استدرك أن فوضى غرائزه كانت عريانة بالفطرة ثم عارية بالطبع ذلك لأنها غير مرئية وجد متواطئة مع الشر... ثم على الحر أن يجعل الصبر رداءه الأقوى والأبقى والأوثق فالصبر كانت نجاة الخلائق من كل الكوارث المحققة وبالصبر تم هزم كل الانفلاتات الغرائزية. ثامنا: الساقط والوغد والسافل، والخسيس، والفاسد وذو الوجهين، والقلق اللاشريف ، ليسوا من فصائل الحيوان لكي أرى الحيوانات اللاحمة، طبائعها تتجه نحوهم لماذا؟! تاسعا ، ثمة قلق يؤدي إلى الحكمة وثمة قلق لا يترك لك فرصة لتبقى حيا وثمة قلق يؤدي إلى اللّه فتكون به كائنا أنقى من ماء المطر. عاشرا، الرواية المحشوة، بالقلق تلك التي صنعها الراوي وهو في منتهى السعادة حينها يسحب الناقد أسلحته إن كان قلقا وحكمته إن كان ناقدا.