بقلم: كمال ساكري (مناضل من حركة الشعب) I) حكومات الغنوشي والسبسي تنحني تحت اندفاعة الحراك الثوري: لم يكن بامكان الوزير الأول الأسبق محمد الغنوشي ثم الوزير الأول الحالي باجي قائد السبسي إلا الانحناء أمام اندفاع الحراك الثوري في الأشهر الأربعة الأولى من تفجر الثورة إذ فرض الشعب كلمته من خلال تصديه لقوى القمع المختلفة وهزمها في الميدان والاضطلاع بالأمن المحلي والوطني عبر آليات التسيير الذاتي من لجان شعبية وهيئات محلية ثم شرعت القوى الشعبية والنقابية في إقالة المسؤولين السياسيين من ولاة ومعتمدين ورؤساء مؤسسات وإدارات لتورطهم في الاستبداد والفساد وأصبح للشعب ممثلا في قواه الوطنية الكلمة الفصل في تعيين المسؤولين وعزلهم وتطهير الادارة التونسية من أعداء الشعب ولقد بلغ التحكم الشعبي في مسار الثورة أوجه عندما فرض اعتصام القصبة الأول ثم خاصة الثاني مطالب الثورة في اقرار انتخاب مجلس وطني تأسيسي وتعليق العمل بالدستور وحل مجلسي النواب والمستشارين ورحيل محمد الغنوشي شريك الطاغية في الحكم وحل حزب التجمع وهي مكاسب هامة لا يمكن التقليل من شأنها فقد نجح شعبنا في التخلص من دستور فقد كل جدارة ومصداقية أمام صنصرة النظام البائد المتواصلة حتى أصبح دستور ثورة التحرير الوطني المنادي بالحرّيات والجمهورية ديوان حاكم بأمره في نظام ملكي. أما حل حزب التجمع فكان مكسبا عظيما طالما ناظل شعبنا من أجله وسيسجل التاريخ بأحرف من ذهب دور القوى الوطنية ا لفاعلة في تحقيق هذا المكسب في مقدمتها القاضي فرحات الراجحي والمحامي الجرئ فوزي بن مراد ولا يقل حلّ مجلسي النواب والمستشارين قيمة عن المكاسب السابقة لما مثله هذان المجلسان من تزييف لإرادة الشعب وإهدار لأمواله. أما إعلاميا فقد فرض الحراك الثوري حضور الشعب في القنوات التلفزية الخاصة بل والعمومية أيضا وأصبحنا نستمع الى صوت شعبنا المدوي يرفع مطالبه ويقدم اقتراحاته ويأمر وينهي والاعلام آذن صاغية وصور صادقة عن الواقع. ولقد بلغ المدّ الثوري أوجه في سقوط محمد الغنوشي ووزراء التجمع ومجيء الباجي قائد السبسي. II) من هيبة الثورة إلى هيبة الدولة ما إن أفلح الوزير الأول الباجي قائد السبسي في طمأنة الشعب في عزمه على تحقيق أهداف الثورة حتى رفع شعار هيبة الدولة بعد أن اهتز الأمن وكثرت الانفلاتات الأمنية والجرائم وترويع المواطنين والسلب والنهب والتي تورط فيها أذناب التجمع غالبا وتحت الذريعة الأمنية المسيجة بشعار هيبة الدولة سيطر مناخ قمعي دموي تجرأت فيه قوى القمع على العودة الى سياسة العصا الغليظة وقمع المظاهرات وسحق الاعتصامات وسقط الشهداء من جديد في شهر أفريل وسحل المتظاهرون أمام وزارة الداخلية فتيانا وفتيات بلا رحمة وعنف الاعلاميون بما فاق وحشية عهد الطاغية بن علي وفهم الجميع أن المقصود بهيبة الدولة هيبة البوليس والقناصة والمجرمين والفاسدين في مقابل كسر هيبة الثورة والالتفاف على أهداف الثورة هذا من ناحية سياسية أما من الناحية الاعلامية فقد عادت جميع القنوات التلفزية حكومية وخاصة الى العادات القديمة. عادات التعتيم وإقصاء الشعب وقواه الوطنية من المشهد وسيطر في المقابل إعلام رسمي تكفل فريق محدد ومحدود بتبليغه وفرضه على الجميع واحتكر البرامج السياسية والحوارية حول وضع القطر ومستقبله السياسي ولم يجد أحد الحقوقيين القارين في البرامج التلفزية السياسية أي حرج في الاعلان صراحة في برنامج حواري بقناة نسمة يوم 25 ماي 2011 بأن الوجوه الجديرة بالدفاع عن الثورة والشعب هي هذه الشخصيات القارة في البرامج الحوارية السياسية لنضاليتها وشرعيتها الثورية وكان بطبيعة الحال يقصد فريقا صغيرا من لفيف ليبرالي فرنكفوني ويسار طفيلي لا يتجاوز عدده أصابع اليد وهو موقف إقصائي لعشرات بل مئات وألوف الوطنيين والعروبيين الذين تعج بهم الساحة ويستحون أن يزكوا أنفسهم أو ينوبوا الشعب علاوة على أنه خطاب خشبي يمتح من قاموس أبواق النظام البائد حين انغلق عن ذاته وتفرعن وأنكر وجود شخص في الأنام قادر على منافسة الطاغية في الحكم. إن المشهد السياسي اليوم والاعلامي بات ضيقا مختزلا في أنصار الليبرالية المنبهرة بالامبريالية الأمريكية ودعاة الفرنكفونية المتيمة بباريس وزعماء اليسارية الطفيلية والانتهازية وعبدة البورقيبية وأصدقاء الصهيونية. وهو مشهد معاد للثورة ومقص للوطنيين وفي مقدمتهم العروبيين بقدر ما يوصف الواقع الفاجع فإنه يذكر بالماضي القريب فما أشبه اليوم بالبارحة بالأمس ثورة تحرّرية من الاستعمار الفرنسي يعقبها مجلس تأسيسي وقتل للوطنيين ومحرقة للعروبيين واليوم ثورة حرية وكرامة من الاستبداد والفساد، فهل يعقبها قتل ومحرقة. ولكن لماذا هذا المصير الكارثي تجاه الوطنيين والعروبيين في كل منعطف تاريخي؟