بعد 32 سنة من بعث فرقة الحمام البيض الملتزمة دخل حمامها الابيض الصادح لأول مرة معتمدية الميدة يوم الأحد 1962011 بأغاني لبابلو نيرودا: «حب ونضال» وبقصيدة منور صمادح المشهورة: «كلمات» وأغاني أخرى اهتزّت لها ضمائر الجمهور الحاضر شجنا وطربا... هذا الحفل الفني نظمه فرع المنظمة الوطنية للمحرومين من حق الشغل بالميدة في إطار يوم ثقافي متكامل العناصر عابق بروح الثورة ونسائمها التي هبّت على المعتمدية الفتية ومحيطها الفلاحي الممتد في الوطن القبلي كغصن زيتون أخضر متصل بشجرة تنبت في زرقة السماء وعيونها فأحيت فيه كل المواهب والطاقات الشبابية المنسية المهمشة ودفعت بها الى قلب الحياة الفاعلة المؤثرة لتقول كلمتها عاليا بعد ان كتم أنفاسها القهر والإذلال والاحتقار في عهد الخوف والطغيان.. ارتفعت في القاعة التي لم تكن تعرف سوى صور المخلوع صور جديدة مكانها هي صور لتشي غيفارا... كما ارتفعت لافتات ترفع شعارات غير حزبية تجسّم طبيعة المطالب الأكيدة للشباب التونسي مثل: «شغل... حرية... كرامة وطنية»... و«تونس أولا... تونس ثانيا... تونس دائما..». أشرف على إنجاح هذا اليوم الثقافي المناضل الشاب رفيق بنحسن بالتعاون مع لجنة حماية الثورة بالميدة وبحضور الكاتب العام للاتحاد المحلي للشغل احمد الدايخ وبتشجيع من إطارات من الجهة... انطلقت فعالياته بتنشيط الطالبة مروى بنحسن في الساعة الحادية عشرة صباحا دون اللجوء الى قشور تلك البروتوكولات الرسمية الزائدة التي تعودنا عليها في مثل هذه المناسبات بل بالدخول مباشرة في صلب الموضوع بالموسيقى وبمواويل وأغاني لكاظم الساهر ولسيّد مكاوي أداها الصوت الشبابي الواعد ربيع بكارة مصحوبا بفرقة الأستاذ الناصر بنحسن الموسيقية.. وعلى عكس ما تعوّدنا به في خطابات التهليل والتكبير أخذت الكلمة الأستاذة نجاة بنحمودة عضو الفرع المحلي للمنظمة الوطنية للمحرومين من حق الشغل وأطلقت عند تعريفها بالمنظمة صيحة فزع تدين الخيارات التربوية والسياسية والاقتصادية التي أدّت الى أزمة اصحاب الشهائد العليا وقالت بتعبير جميل في وصفها للمنظمة: «إن هذه المنظمة هي منظمة محن لذلك يجب على الجميع التعاون معها ومساندتها في تحقيق مطالبها المشروعة ورفع المظالم المسلطة على أصحابها..». الشعر كان حاضرا بقوة حيث ألقى المهندس سليم بنعلية قصيدة ملتزمة وطريفة عنوانها: «تونس الياسمين» تمدح الثورة التونسية وتجدد العهد والعزم معها على تحرير فلسطين والجولان ودحر الغزاة اليهود... كما ألقى الشاعر الغنائي محمد القربي قصائد جميلة بالفصحى والدارجة منها قصيدة «الزهور لا تموت» وقصيدة «المؤتمر» وهي قصائد كتبت قبل 14 جانفي وكانت مسكونة بروح الثورة والنقد الساخر من مصادرة الحقوق وقمع الحريات والسخط على الممارسات الحقيرة للتجمّع في قريته بتافلون بما يفنّد ادعاءات أعداء الإبداع الذين يتهمون المبدعين بعدم المشاركة في الثورة.. الأطفال كان لهم وجود ملفت وبارز حيث قدمت روضة «الرائد الصغير» مسرحية ممتعة ومعبّرة عنوانها: «نرفض ان نموت» عرضت فيها عدة مشاهد ولوحات ترسم حالة القمع والخوف والقهر في الايام الأخيرة للثورة وقد قاطعها الجمهور الحاضر بالتصفيق الطويل.. ان من حضر هذا اليوم الثقافي يخرج بانطباع رائع مفاده: ان شجرة الثورة التونسية الباسقة لن يحرس ثمارها سوى مثل هذه الثقافة التي يصنعها شباب يتقدون حماسا ونشاطا لم يمنعهم حرمانهم من حق الشغل من المشاركة الفعّالة في مدّ جذور الثورة عميقا في التربة التونسية والعربية الأصيلة والذود عن حقوقهم المشروعة بأشكال نضالية ذكية ومتنوّعة بعد أن كانوا الأسبق الى قدح شرارة الثورة واندلاع حريقها..