في حوار مع «الشروق» أكّد الاستاذ المنذر بلحاج علي متحدثا حول المبادئ من أجل الجمهورية بأن تآلف عدد كبير من الاحزاب حول المبادرة يعبّر عن وعي رهيف بدقة المرحلة الانتقالية وضرورة المساهمة في حمايتها. ما هو المسار السياسي لهذه المبادرة؟ لأول مرّة في تاريخ تونس يتآلف أكثر من ثلاثين حزبا حول أرضية سياسية واضحة وأهداف سياسية محدّدة طبقا لمقتضيات المرحلة التي تمرّ بها بلادنا. يتنزّل هذا التآلف ضمن سياق تاريخي تونسي واعد فبقدر ما تكون حريّة تأسيس الاحزاب السياسية مضمونة فهي لا تؤدي بالضرورة الى التشرذم السياسي بالمعنى التنظيمي والى التنافر بمعنى الانتماء وانما الى التآلف والتوافق ضمن مسارات سياسية واضحة. هذه سمة فريدة من نوعها تختصّ بها تونس ما بعد الثورة، إنها احدى افرازاتها الأكثر إضاءة. إن التنوّع الفكري الحاصل في مجتمعنا وما ينبثق عنه ضرورة من تعدّد سياسي بما يكرّس التوق نحو الحريّة نجح في افراز توافق ملحوظ بين عشرات الاحزاب السياسية بشكل يبرز شعورا هاما بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على كاهل الأحزاب السياسية والتي عليها تحمّل أوزارها. كما يمثّل تآلف الأحزاب ذاتها تعبيرا عن وعي رهيف بدقّة المرحلة الانتقالية وضرورة المساهمة في انجاحها وحمايتها من الانتكاسة واختصار آجالها. هذا التمشي الهادئ والرصين ليس غريبا عن الاعتدال السياسي كتعبير عن شجون تونس واحلامها وتطلّعاتها بعيدا عن الغلوّ والاقصاء،إن مصلحة تونس ونجاح ثورتها وتحقيق أحلام شبابها وتطلعات جهاتها وفئاتها فوق مصلحة أي من أحزابها. الاعتدال السياسي أعلن عن تحمّله مسؤولياته ببيان الاربعاء 20 جوان 2011. لماذا الاستفتاء على شكل النظام السياسي؟ وهل سيمثل الاستفتاء تعطيلا للمسار المؤدي الى 23 أكتوبر؟ المسألة الأولى هي مبدأ ضرورة الرجوع لشعبنا في المسائل الأساسية فهو صاحب السيادة وله القول الفصل. يوم 23 أكتوبر القادم لن ننتخب أعضاء للمجلس الوطني التأسيسي من أجل انتخابهم بل لإرساء نظام سياسي جديد مغاير للنظام السياسي السابق. فهل سأل أحد شعبنا عن النظام السياسي الذي يرتئيه ويريد العيش فيه ويتركه للأجيال القادمة؟ الجواب بالنفي. لذا علينا استفتاء الشعب التونسي حول ما إذا كان يحبّذ النظام الجمهوري الرئاسي ولا النظام الرئاسوي الذي رفضناه برمّته أو النظام الجمهوري البرلماني أو لمَ لا النظام الجمهوري التأليفي التونسي أي نظام يأخذ بأرقى ما أنتجه الفكر السياسي الكوني وتجارب الشعوب الأخرى والنظر مليا في معطياتنا التونسية لكي نستطيع تأليف تجربة تونسية تشعّ في مشارق الأرض ومغاربها وقناعتي أن شعبنا سيهتدي في نهاية الأمر الي صيغة هادفة. علينا استفتاء شعبنا في المسائل الأساسية. ويمكن إجراء الاستفتاء يوم 23 أكتوبر المقبل بالتوازي مع انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي وهذا يمثل عودة الى شعبنا وإثراء للمسار. عبّرتم في بيان الأحزاب عن تخوّفكم من تجميع السلط بين يدي المجلس التأسيسي. لماذا؟ لا يعقل أن يجمّع المجلس التأسيسي كل السلط بيده فهذه مخاطرة كبرى اذ ان تجميع السلط لم يؤد في التاريخ الى الديمقراطية السليمة. فالأسلم إذن أن نقرّ للمجلس التأسيسي سلطة مطلقة ولكن في المسألة التأسيسية بالأساس. وتأسيسا علينا النأي بالسلطة التنفيذية من دائرة الانبثاق من المجلس حذار من تجميع السلط بين يدي هيئة واحدة . المخاطرة كبرى وتؤكدها تجربة تونس في المجلس التأسيسي الأول لسنة 1956 حيث انزلق بنا الى الحكم الفردي رغم أحقيّة قيادة الحزب الحرّ الدستوري للحركة الوطنية وزعامة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لبلادنا. فالشرعية والزعامة مهما كانت أهميتها وهي مهمة لا يمكنها حجب ضرورة البناء الديمقراطي السليم فبالعكس عليها أن تنصهر فيه وهذا هو أحد مرتكزات الاعتدال السياسي في تونس سنة 2011 التي ليست قطعا تونس 1956. دعوتم إلى إحداث مجلس وطني للأحزاب السياسية لماذا؟ نلاحظ يوما بعد يوم تواصل غياب أطر الحوار السياسي بين الأحزاب السياسية علاوة على عدم تواجد الأغلب الأعّم للأحزاب في الهيئات المؤقتة والحال أنّه لا وجود لحياة سياسية متطوّرة وديمقراطية سلمية ونظام سياسي حديث بدون أحداث سياسية مع الاقرار بدور هام للمستقلين طبعا وهذا لا ينفي طبعا دور المستقلين، ولكن لا يعقل أن تتداول الهيئة العليا في قانون ينظم الأحزاب السياسية بدون أن تكون الأحزاب طرفا أساسيا في ذلك الحوار. هناك خلل إذن وعلينا إصلاحه. اضافة الى أنّنا في حاجة الى ارساء حوار جدّي وهادئ في أمهات القضايا السياسية وتأطير الحياة السياسية وصورة الحوار الجدّي يجب أن تكون مقدّمة لما سيحصل في المجلس التأسيسي من جديّة ومسؤولية في الحوار فالمجلس يجب أن يقطع نهائيا مع صورة التشنّع والتنافر والاقصاء وتجاوز الخلل الحالي. إنّ الدعوة الى إحداث مجلس وطني للأحزاب السياسية محاولة جريئة وجادة لاصلاح الخلل وهذه مقتضيات مستقبل تونس وقدرها.