أول رائد من رواد طلائع الثورة التونسية، أتوجه بنداء إلى الضمير التونسي الحر الأصيل ككل دون استثناء وإلى أحزابنا السياسية كان ولا بدّ عليها اليوم، أن تتزوّد بالحكمة وبالرصانة وبالهدوء والتعقل وبالصبر والمثابرة وبطول النفس وسعة الصدور ورباطة الجأش، وأن تتأهب مضيا قدما إلى الامام، بصدقها ووفائها وأمانتها، وأن تكون مجندة بالبذل والتضحية في خدمة بلادها ووطنها، في هذه المرحلة الحاسمة التي تجتازها الثورة التونسية بالتصفية والتنقية والغربلة، للوضع الراهن الذي كنا ولازلنا نعاني منه الأمرين، من مخلفات آثاره الدامية الموجعة. وما ألحقه من أفدح الاضرار باهظة التكاليف في أجهزة الدولة التونسية ومؤسساتها وهياكلها، كانت هذه الممارسات عن عمد وقصد وسوء نية، بالسطو والنهب والاستيلاء على موارد البلاد جملة وتفصيلا، ولا شيء وقتها يذكر، إلا الارهاب والرعب والخوف والقمع والسجون، إذن كان ولا بدّ على أحزابنا أن تتذكر وحتى لا تنسى هذه الأوجاع والآلام والفقر والحرمان والجوع والتشرد والتهميش من قبل رحيل هؤلاء الفارين والمشتتين اليوم في العالم، وأن ما تلعبه أحزابنا من دور استراتيجي هام وهام جدا هو أن تعمل جاهدة أناء الليل وأطراف النهار لاسترجاع وإعادة ثروات البلاد التونسية وكنوزها ومعادنها وآثارها، لهذا الشعب الذي سلبت منه قهرا وظلما والمودعة بالبنوك الأجنبية، وهي جميعها على ملك الدولة والشعب التونسي مسروقة ومنهوبة، فلتكن لأحزابنا اليوم القدرة والارادة والشجاعة على أن تجعل من تونس قوة لا تقهر، وها أن جماهير الثورة التونسية الغفيرة تتطلع بكافة شرائحها إلى جهودكم الموفقة ونشاطكم المكلل بالنجاح وممارساتكم لاخراج تونس مما تردت فيه بفضل صدقكم ووفائكم مؤملة منكم هذه الجماهير الغفيرة أن تضعوا نصب أعينكم إعادة اقتصاد البلاد التونسية وأمنها وهدوئها ونظامها واستقرارها، وحتى تكون هذه الثورة بفضل تعاونكم وتماسككم وحسن نواياكم المثل الأعلى كما بدأت وكما ستكون نجما ساطعا على سائر شعوب العالم، لأنها ثورة استمدت منها شعوب الدنيا قاطبة نموذجا جديدا ومبتكرا فريدا في هذا العصر من نوعه، كان واضحا وجليا للعيان، وان هذه الثورة لم يكن لها مثيل ولا شبيه في سائر ثورات العالم قديما وحديثا، ثورة وقفت صامدة بجيشها وأمنها وحرسها وشعبها ووقفت كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا لم يتطرق لهذه الوحدة الصماء شك ولا ريب كانت نظيفة وخفيفة لا شقاق ولا خلاف لا قاتل ولا مقتول ولا سراع كانت ثورة لن تقهر مهما حاول العابثون والمفسدون والمخربون النيل من شرفها وقداستها. ناهيك وان رؤوس العالم قد انحنت إليها اجلالا واحتراما وتقديرا وتبجيلا واكراما. اعترافا منهم بالقدرة والشجاعة لهذا الشعب التونسي الغيور على تخطي دروب مسالك هذه المرحلة بسلام. وكم كانت تونس فخورة ومعتزة ومرفوعة الرأس بمواقفها النضاليةالمشرفة رغم فقرها وما هي في أشد الحاجة إلى اعانتها فهي لا تملك ثروات بترولية. ومع ذلك نجدها السباقة وفي المقدمة لايواء الشعب الليبي الشقيق واحتضانه وانتشاله من هول قصف نيران كتائب القذافي، لقد فتحت تونس أبوابها في وجوههم ليدخلوها بسلام آمنين لأنهم اخوة وأشقاء، كان على تونس استقبالهم ومواساتهم وتضميد جراحهم وآلامهم بالاغاثة والاسعافات الضرورية اللازمة. وكما قيل «تعرف الاخوان عند الشدائد» وما أكثر الأصحاب حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل أخاك أخاك ان من لا أخاله كساع إلى الهيجاء وبغير سلاح هذا ما تيقظه الثورة التونسية اليوم مع هؤلاء الأشقاء كان هذا قطعا ودون شك نابع من أصالتنا وأخلاقنا وآدابنا وقيمنا الحضارية والتاريخية، وحتى يعلم من لا يعلم كل من يجهل ويتجاهل هذه المبادئ والقيم التي تربطنا في أحلك الظروف فلن تتخلى عنها. كان على أحزابنا ان تدرك وتعي واننا اليوم نتطلع في هذه المرحلة للخروج النهائي من كل ما لحقنا وما عانيناه وكابدناه من البؤس والشقاء والحرمان وحتى تعود ثرواتنا أكثر مما كانت، وحت نحيا من جديد حياة أفضل وأهم تتساوى فيها كافة شرائح المجتمع التونسي ويقضى على جميع الفوارق المخلة بنمط العيش في كنف الحرية والثورة، فعلى أحزابنا أن تتسابق بجد وصدق ووفاء واخلاص للأمن والهدوء والاستقرار وان تلغي من ضمائرها وعقولها كل خلاف، وأن ما أكد عليه أمير الشعراء شوقي يكون خير دليل وأصدق شاهد. إلى ما الخلف بينكم إلى ما وهذه الضجة الكبرى علاما وفيما يكيد بعضكم لبعض وتبدون العداوة والخصاما فثورتنا قد امتازت على ضوء ما قلناه وذكرناه وكررناه وقد وضعت هذه الثورة اليوم في مسارها ككل الكواكب والأقمار الصناعية تسبح في الفضاء باشعاعها المضيء في مدارات التحرر النهائي، فهنيئا لك يا شعب تونس العظيم بهذا الانتصار. فقد كنت سباقا إلى كل البوادر فعليك اليوم أن تفخر وتعتز بهذا الكسب والانتصار. وختاما ليتذكر جميعنا وان العالم يتابع خطانا الوئيدة نحو الانتخابات التي ستجرى يوم 23 أكتوبر. وهي انتخابات ستكون حافزا لتونس الثورة والتي ستكون جديرة بالتنويه وبالفخر والاعتزاز، لشعب تونس المتحضر والواعي والمدرك والمثقف. فإلى الامام تقدم لرفع مجد بلادك تونس الخضراء. أتمنى النجاح والتوفيق للمجلس التأسيسي المقبل يوم 23 أكتوبر 2011.