عبد الله القُوِيري كاتب ليبي قصّاص كان صديقا للأدباء التونسيين، وعاش فترة لا بأس بها في تونس، فقد كان يتخذ تونس وطنا ثانيا له لأنه وجد فيها ما لم يجده في وطنه الأصلي من حرية في القول والتصرف، وأذكر أني كنت أقيم (خلال 1972/73) في طرابلس عاصمة ليبيا (بشارع فيردي)، الذي يوجد فيه (نزل أوروبا) وكانت طريقي إلى وسط المدينة العتيقة على ذلك النزل، فكنت أرى أمامه كل مساء، في فترة من الفترات، الأديب القصاص عبد الله القويري فأجالسه تارة، وأسلِّمُ عليه تارة أخرى وأواصل طريقي تجاه نهاية جادة عمر المختار المفضية إلى (ساحة السرايا الحمراء) التي أصبحت تدعَى (الساحة الخضراء) بعد انتشار اللون الأخضر في كل شيء ليبي ابتداء من (الكتاب الأخضر) إلى العلم الليبي الذي عوض علم الجهاد الليبي ضد الاستعمار الإيطالي. وفي تلك الفترة زار طرابلس وفد من وزارة التعليم التونسية، وكان من بينهم بعض الجامعيين والكتاب، وأذكر أن واحدا من ذلك الوفد سألني عن عبد الله القويري، ولما عرف أنه يقيم بجوار منزلي وأني أراه باستمرار، رجاني أن أوصل إليه نسخة من كتاب (نسور وضفادع) للطاهر قيقة عليها إهداؤه بخطه، لأن مؤلفه لم يكن ضمن الوفد التونسي الزائر، فوعدته بإيصاله إليه، وفي اليوم الموالي، سألت عن القويري في (الاستقبال) بذلك النزلُ فقيل لي: (غير موجود الآن)، وتكرر سؤالي عنه في كل مرة أمر فيها بذلك النزل، وكنت أتلقى نفس ذلك الجواب بنفس الأسلوب دون أي توضيح حتى توطدت العلاقة بيني وبين العاملين في النزل، وعرفوا مَن أنا واطمأنوا إلي، وفي آخر الأمر قال لي المشرف على الاستقبال: (عبد الله القويري في السجن، ولا نعرف عنه شيئا) ومنذ ذلك اليوم لم أعد أسأل عنه، وبقيت تلك النسخة من كتاب نسور وضفادع للطاهر قيقة لديَّ راجيا أن أجد طريقة لإيصالها إليه، وظللت أتساءل بيني وبين نفسي عن سبب سجنه دون أن أستطيع السؤال عن ذلك، وذات مساء كنت مارًّا أمام ذلك النزل فإذا بي أجد عبد الله القويري جالسا أمامه، كما كان يجلس قبل ذلك، فسلمت عليه وسألته سؤال الجاهل عن سبب ومكان تغيبه قائلا: «أين كنت خلال هذه المدة الماضية التي لم أجدك فيها بالنزل؟» فأخبرني بأنه كان في السجن بدون أن يعرف سبب سجنه، وأعلمني بأن الظروف التي سجن فيها كانت مريحة، فالفراش وثير والتلفزيون متوفر، وأضاف قائلا: (بعد أن وضعوني في هذا الجوّ الغامض أطلقوا سراحي، دون أي توضيح، والغريب في الأمر أنهم فاجؤوني بتعييني وزيرا للوحدة بين (ليبيا) و(جمهورية مصر العربية) مع الإقامة في القاهرة، وها أنا أستعد للسفر إليها لمباشرة عملي) وأثناء هذا اللقاء الغريب قدمت له كتاب الطاهر قيقة (نسور وضفادع). وبعد لقاءات أخرى مع عبد الله القويري في نفس ذلك المكان لم أعد أراه هناك فأدركت أنه باشر مهمته في القاهرة، ولست أدري ماذا فعل في ميدان الأدب والثقافة أو في ميدان الوحدة بين القطرين الشقيقين الليبي والمصري، ويبدو أنه لم يكن يولي هذا الجانب من حياته أية قيمة، لأنني لم أعثر على إشارة لهذا الموضوع في ترجمته ضمن كتاب (دليل المؤلفين العرب الليبيين) وهو (حصرٌ للمؤلفين القدامَى والمعاصرين الذي توفرت معلومات عنهم، منذ الفتح الإسلامي لليبيا حتى سنة 1396ه 1976م) الذي صدر سنة بعد سنة من ذلك التاريخ في عاصمة ليبيا، رغم أن ترجمته فيه استغرقت ثلاث صفحات من الحجم الكبير، وسأختار من هذه الترجمة ما له علاقة بحياته وبأدبه وخاصة وسأركّز على كل ما له صلة بتونس والتونسيين من قريب أو بعيد: فهو عبد الله محمد محمد القويري، ولد بسمالوط بمحافظة المنيا بمصر في 7 مارس 1930م ولست أنوي ذكر كل ما يتعلق بحياته لأن المجال لا يتسع لذلك،. إذن فهو ليبي لجأ والده أو جده إلى جنوب مصر هروبا من اضطهاد الإيطاليين أيام استعمارهم للقطر الليبي منذ قرن من الزمان (1911/2011) مثلما لجأ كثير من الليبيين في ذلك الوقت إلى القطر التونسي لنفس السبب، وقد درس في جامعة القاهرة فحصل على الليسانس في الجغرافيا من كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1955، أي أنه غادر تلك الجامعة في السنة التي بدأت دراستي بها في الأدب العربي، واشترك في مؤتمر الأدباء العرب ببغداد سنة 1965 وكان معه في الوفد الليبي: الشاعر رجب الماجري وعلي صدقي عبد القادر وغيرهم ممن أتذكرهم، فقد كنت عضوا في الوفد التونسي لهذا اللقاء العربي الكبير مع زبيدة بشير ومصطفى الفارسي وأحمد اللغماني ومنور صمادح، برئاسة محمد الأمين الشابي.