بقلم: البشير الضاوي (مثقف مستقل) لا شك أن لزلزال الثورة التونسية تداعيات وهزات ارتدادية ستتواصل فترة من الزمان و استمرارها متصل بنضج نخبنا وفهمهم لمتطلبات اللحظة التاريخية وبتفاعل شعبنا مع المرحلة. ومن الآثار الأولية لهذه الهزات الارتدادية لزلزال 14جانفي بروز خطيين ثقافيين لهما مدلولات سياسية ومضامين اجتماعية بعيدة عن حصيلة شعبنا التاريخية ومخياله الجماعي وهذان الخطان يبدو للملاحظ غير المتفحص أنهما متوازيان ولكن في الواقع بينهما كثير من التقاطعات رغم اختلاف مرجعيتهما ووجود الواحد يستدعي وظيفيا إيجاد الأخر. هذان الخطان هما خطي التغريب والتغييب نعني بخط التغريب ذلك التيار الإجتثاثي الذي ينظر إلى تونس كأنها مقاطعة تعيش في المياه الدولية ولثقافتها وتاريخها كفتات لا طعم له ولا لون وبالتالي لشعبنا كشعب هجين يستلهم هويته من أخر مستعمريه ويقتبس قيمه من جلاديه وثقافته الأصلية وخاصة دينه يمثل عائقا إبستومولوجيا للتقدم وللحداثة وهي نفس مقولة ماكس فيبرالذي يعتبر الإسلام عائق لانتشار الرأسمالية وهي مقولة تعكس بوضوح المركزية الأوربية الاستعلائية التي تنكر الخصوصيات القومية والثقافية للشعوب. أما ما نعني به خط التغيب هوذلك التيار الهلامي المتجاهل لتاريخ العرب والمسلمين والذي يريد فرض وصفة القرن الأول للهجرةعلى شعبنا وخاصة فترة الخلافة الراشدة وفترة عمر ابن عبدالعزيز وهي فترة لم تتجاوز 40 سنة كنمذوج وما بعدها جاهلية وحكم عضوض وهي فترة محكومة بظروفها التاريخية ويقرأ التاريخ بمقاييس فقهية نمطية وينظر للوقائع كما يتمناها لا كما وقعت فعليا وحججه تدحضها التجربة التاريخية للمسلمين حيث لم تتبلور الدولة وتركز دواوينها إلا مع الأمويين بقيادة معاوية إبن أبوسفيان حيث وصل حكم المسلمين في عهدهم من الأندلس إلى سور الصين فطارق ابن زياد وموسى ابن نصير وكبار القيادات التاريخية كانت قيادتهم أموية تسكن في قصور دمشق الفارهة.أما في عهد الدولةالعباسية فقد إنتشرالعلم وازدهرت الفلسفة والموسيقى والترجمة وكان المسلمون يقودون العالم حين كان الفلاسفة والموسيقيون منبوذين ينامون في المقابر في الغرب. وتعايش في الدولة الإسلامية المدنية كافة أتباع الأديان وكان بعضهم مستشارين في قصور الخلافة. هذين الخطين يجهلان تاريخ بلادنا وحصيلة ثقافة شعبنا الذي رفض بكل كبرياء أي تطرف مهما كان نوعه فهذه التربة أطردت غلاة الشيعة وساد فيها فقه سني متسامح رعته منارة القيروان وصرح الزيتونةو بنفس الحدة رفض شعبنا الإلحاق والتذويب وتصدى للتجنيس والفرنسة وأنجبت هذه الأرض الطيبة ابن خلدون والشيخ بن عاشور ومحمد علي الحامي والشابي وحركة الشباب التونسي وغيرهم من الأعلام. تونس أول دولة إسلامية ألغت الرق وتكونت فيها أول نقابة في الوطن العربي وسنت أول دستورفي المنطقة متمثلا في عهد الأمان وتتونست العائلة المالكة التركية وألغت تعدد الزوجات وتكونت فيها أول رابطة لحقوق الإنسان واندلعت فيها أول ثورة دشنت الربيع العربي الحديث و هي محل إكبار وإجلال لم يستطع التنبؤ بها أساطين المخابرات ولا سدنة الفكر ومراكز البحث والاستشراف أرضا بهذا الثراء يظهر فيها تيار تغريبي يريد ربطنا بالمركز كأننا فاقدو الهوية وأخر تغيبي يتجاهل تعدد القراءات في حضارتنا ويحرم علينا الاجتهاد الذي مارسه أجداد أجدادنا ويظهر الدين الإسلامي السمح و كأنه يتعارض مع الحداثة ومع الديموقراطيةوهو نفس طرح شقيقه اللدود تيار التغريب وإن إختلفت المنطلقات فكلا التيارين يقولان بقصور شعبنا وعدم أهليته للإبداع ويريدان فرض طريقة الإتباع عليه. نحن نتفهم سيسيولوجيا الظروف الحالية التي برز فيها كلا الخطين نتيجة الزلزال الذي هز بعض الترسبات الكامنة وبنفس القدر وإنطلاقا من إرث شعبنا الثقافي والديني والإجتماعي ومن نضج نخبنامن مختلف التيارات السياسية والفكرية لن يكتب لهذين التيارين الإستمرار.مع تمكينها من التعبير بصفة سلمية عن مواقفهما. على التيار الوسطي من جميع الاتجاهات ومختلف المشارب أن يقوم بدوره التاريخي ثقافيا بنشر قيم التسامح والاختلاف وسياسيا ببناء جبهة وطنية عابرة للإديولوجيا والطبقات تمثل صورا يحمي مكتسبات المجتمع وتفتح افاقا رحبة المضامين الثورة المجيدة.