بقلم : القاضي المختار اليحياوي تحتاج المرحلة الدقيقة التي تمر بها بلادنا إلى درجة عالية من الوعي بمتطلباتها وطبيعة الأخطار التي تتهددها وقيام المتحملين لأعباء المسؤولية بعكس ذلك من خلال قراراتهم وتصرفاتهم وتصريحاتهم خلالها، وهذا حسب رأيي المنهج الوحيد الكفيل بإعادة الثقة وطمأنة المواطنين فلا أحد يجهل الصعوبات أو خالي الذهن من طبيعة الإشكاليات التي تعترض حاليا مسيرة بلادنا. ولكن مع مرور ستة أشهر على الثورة لا يبدو أن حكامنا اليوم مدركين تماما لخطورة مسؤوليتهم في دعم ثقة الشعب في قيادته وطمأنته على جدية ووضوح الرؤيا في المسار الذي إعتمدناه في إدارة المرحلة الإنتقالية فقد بدى واضحا أن أداء الحكومة مهتز ويثير من التسؤلات أكثر مما يقدم من إجابات كما بدى جليا خطورة المأزق الذي تجتازه الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والإنتقال الديمقراطي وهما الآليتين المضطلعتين حاليا بإدارة المرحلة الإنتقالية. فقد وضعت التحويرات الأخيرة في تشكيلة الحكومة نقاط إستفهام محيرة تنضاف إلى التساؤلات المعلقة التي طرحها التحوير السابق بخصوص بعض المراكز الحساسة التي شملها، وتكمن خطورة هذه التساؤلات في ما تضافرت على تأكيده مختلف هذه التحويرات من تعزيز لتواجد رموز من العهد السابق في سلطة القرار. كما تضافرت المؤشرات مؤخرا على مماطلة الحكومة في إقرار العدالة ومحاسبة رموز الفساد والإستبداد وإنصاف عائلات شهداء الثورة وجرحاها وضحايا الإستبداد والفساد خلال العهد البائد فضلا عن ضبابية التصرف في ما وقع إستصفاءه مما وقع نهبه والاستيلاء عليه من أموال وممتلكات عامة وعدم جدية في استرجاع ما وقع تحويله إلى الخارج، ويتم ذلك في تغييب تام للسلطة القضائية لتتحمل دورها كطرف أساسي في إدارة المرحلة الإنتقالية والإصرار على مواصلة التعامل معها كقضاة تتنازعهم الخلافات تحت وصاية ومناورات السلطة التنفيذية. وكان من المفترض أن تتجاوز الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والإنتقال الديمقراطي مأزقها على أساس أرضية للنقاش داخلها توافقت عليها أهم مكوناتها ولكن إخلال الرئيس المعين لهذه الهيئة بمسؤولياته في الإعلان عن هذا الإتفاق و تخلفه عن الحضور لعرضه على الهيئة وتنظيم الحوار بشأنه وضع الهيئة في أزمة أشد من سابقتها حول الخلفيات الحقيقية لرئيسها ومدى قدرته على جمع التوافق المنشود داخلها. إن طريقة الإستعلاء وتنزيل القرارات الفوقية لا يمكن أن تتواصل في إدارة المرحلة الإنتقالية لأن البحث على الوفاق لا يعني الضعف إذا تحولت الممارسات إلى مناورات تعيد تكرير العهد البائد ونفاياته في تجاهل تام للقوى الحقيقية للثورة المؤتمنة حاليا على تحقيق أهدافها، وكما يدرك الشعب التونسي اليوم من يصادقونه ويصارحونه ويدفعونه لحماية ثورته سوف لن يصعب عليه تبين المناورات والمغالطات التي لا تهدف إلا للإلتفاف عليها.