العدالة الانتقالية هي استجابة للانتهاكات المنهجية أو الواسعة النطاق لحقوق الإنسان والحريات الفردية، تهدف إلى تحقيق الاعتراف الواجب بما كابده ضحايا بن علي وكذلك بورقيبة من انتهاكات وقمع، وتعزيز إمكانيات تحقيق السلام والمصالحة والديمقراطية... والعدالة الانتقالية ليست شكلاً خاصاً من أشكال العدالة، بل هي تكييف للعدالة على النحو الذي يلائم مجتمعنا الّذي خاض مرحلة وتحوّلا هاما في أعقاب حقبة من تفشي انتهاكات حقوق الإنسان والتعدّي على الحريات الفردية للأفراد وفي بعض الأحيان، تحدث هذه التحولات على حين غرة أي في زمن وجيز، وفي أحيان أخرى قد تجري على مدى عقود طويلة.... هذا ما نحن نحتاج إليه اليوم في بلادنا لإنجاح التحول الديمقراطي وحتي نرجع لقيصر ما لقيصر... وكان من الأجدر على حكومتنا المؤقتة والّتي طال عمرها أن تنسج على منوال بعض الحكومات الانتقالية ممن سبقوها في تجربة الانتقال الديمقراطي ة تأسّس مناهج أساسية لعدالة انتقالية، ومن بينها المبادرات التالية: الدعاوى الجنائية: وتشمل هذه تحقيقات قضائية مع المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في زمن بن علي وزمن بورقيبة وكثيراً ما يركز المدعون تحقيقاتهم على «الرؤوس الكبيرة»، أي المشتبه فيهم الذين يعتقد أنهم يتحملون القدر الأكبر من المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة أو المنهجية. لجان الحقيقة: والغرض الرئيسي من لجان التحري هذه هو إجراء تحقيقات بشأن الفترات الرئيسية للانتهاكات التي وقعت في الماضي القريب والبعيد، وإصدار تقارير عنها، وكثيراً ما تكون هذه اللجان هيئات رسمية تتقدم بتوصيات لمعالجة تلك الانتهاكات، ومنع تكرارها في المستقبل. برامج التعويض أو جبر الضرر: وهذه مبادرات تدعمها الدولة، وتسهم في جبر الأضرار المادية والمعنوية المترتبة على انتهاكات الماضي، وتقوم عادة بتوزيع خليط من التعويضات المادية والرمزية على الضحايا، وقد تشمل هذه التعويضات المالية والاعتذارات الرسمية. إصلاح أجهزة الأمن: وتستهدف هذه الجهود تحويل المؤسسات القمعيّة من أمن وقضاء... وغيرها من مؤسسات الدولة المتعلقة بها، من أدوات للقمع والفساد إلى أدوات نزيهة لخدمة المواطن التونسي. جهود تخليد الذكرى: وتشمل هذه المتاحف والنصب التذكارية التي تحفظ الذكرى العامة للضحايا، وترفع مستوى الوعي الأخلاقي بشأن جرائم الماضي، وذلك بهدف إرساء حرز منيع يحول دون تكرارها في المستقبل. ولئن كانت هذه المبادرات تعد عموماً بمثابة الأساس الذي ترتكز عليه جهود العدالة الانتقالية، فهي ليست قائمة شاملة تستقصي كافة المبادرات الممكنة؛ فقد وضعت مجتمعات كثيرة مناهج أخرى مبتكرة لمعالجة انتهاكات الماضي ... وذلك سبب من الأسباب التي أضفت على هذا المجال قوة وتنوعاً في آن معاً على مر السنين.