يقول غاندي: "إذا قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة"...ومن هذا المنطلق وحتى يتحقق الانتقال الديمقراطي لا بد من العمل على ترسيخ مفهوم "العدالة الانتقالية" التي تقوم على الكشف عن الحقيقة وجبر الأضرار للذين انتهكت حقوقهم ومحاسبة من ارتكبوا ذلك ثم المصالحة. هذا ما أكده السيد فاخر القفصي (الكاتب العام للرابطة التونسية للمواطنة) على هامش المؤتمر الذي نظمته أمس جمعية منتدى جمهورية الغد نورحول" العدالة والمصالحة قبل بناء الجمهورية الجديدة". وأضاف أن العدالة الانتقالية تستوجب نشر ثقافة عدم الانفلات من العقاب عبر لجان تتشكل للغرض تتعدد أسماءها وتختلف وفقا لخصوصية كل بلد ولكنها تعمل على تصفية الماضي بما يطرحه من مساءلة ومحاسبة وجبر للأضرار بطريقة تحفظ كرامة الأشخاص وعائلاتهم ثم المصالحة.من ذلك أهالي الضحايا الذين اغتيلوا الذين يبقى هدفهم الاول اكتشاف هوية الأشخاص الذين قاموا بذلك. وشدد القفصي في نفس السياق على انه لا بد من العمل على إعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية والتحري ضد الانتهاكات التي مورست كما انه من الضروري العمل على تجاوز مجرد التعويض المادي للذين انتهكت حقوقهم والتشريع لرد الاعتبار عبر توفير الرعاية الصحية والنفسية اللازمة. معادلة صعبة ولعل السؤال الذي يطرح هو: كيف تتم المعادلة بين عمليتي المساءلة والمصالحة حتى لا تتعطل عملية الانتقال الديمقراطي؟ و ردا عن ذلك أشار الكاتب العام للرابطة التونسية للمواطنة أن الصعوبة تكمن في التوفيق بين السلم والعدل سيما أن التجارب الانتقالية في دول العالم أثبتت فشل بعض التجارب مثل الأرجنتين التي اضطرت بعد 8 أشهر من انطلاق سير المحاكمات إلى وقفها ضمانا لمبدأ السلم. وأشار في هذا السياق إلى ضرورة ان تعمل لجان تقصي الحقائق على اختراق ثقافة الخوف عبر التكريس لثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويبقى السؤال المطروح حسب السيد فاخر القفصي:" متى ستطرح الحكومة المؤقتة موضوع العدالة الانتقالية بشكل جدي, ومتى سيتعمق الوعي لدى الساسة والحكومة المؤقتة بشان اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق عدالة انتقالية تسعى إلى الكشف عن الحقيقة وتساعد على محاسبة مرتكبي الانتهاكات كما توصي بجبر الأضراركما توفر منبرا هاما للضحايا وتتيح لهم الفرصة لمن يريد الاعتراف والاعتذار." استيعاب الانتهاكات من جهتها أشارت السيدة منية عمار (قاضية والناطقة الرسمية باسم الجمعية)في مداخلتها إلى أن الهدف من العدالة الانتقالية هو استيعاب الانتهاكات الجسيمة التي حصلت في الفترة السابقة وهي انتهاكات لم يقع استيعابها من طرف العدالة التقليدية أي القضاء الذي يبقى في بعض الأحيان غير قادر على استيعاب آو معالجة هذه الانتهاكات سيما أن بعض الدعاوى تسقط بمرور الزمن. ويبقى الهدف من إرساء عدالة انتقالية التي تعد بمثابة وسيلة تكميلية للعدالة التقليدية هو أن يعترف الجميع بالانتهاكات التي مورست حتى لا تبقى طي الماضي. فالانتهاكات الجسيمة من قبيل التعذيب والاغتصاب والاختفاء القسري والتي مورست بصفة منهجية ضد فئة ما من الأشخاص لا بد أن تفتح حتى يتسنى وضع ضمانات بعدم تكرار وقوعها سيما في ظل أزمة الثقة بين المواطن التونسي والقضاء . فمن الضروري أن تفتح الملفات حتى نستخلص الدروس ويبقى أهم مثال على ذلك هو تجربة جنوب إفريقيا التي كرست مبدأ المحاسبة : الجناة يعترفون بما ارتكبوه أمام الجميع ثم المصالحة . واقترحت القاضية أن يقع التنصيص على العدالة الانتقالية بمرسوم في فترة معينة : فترة الانتقال الديمقراطي فقط وتحديد مدتها وصلاحيتها وتقع مساءلة المعنيين بالأمر قصد التصالح مع الماضي. و من جهته تطرق السيد أنور الكسري (نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان) إلى انه لا يمكن تصور عدالة انتقالية في تونس دون رسكلة جهاز الأمن و تطويره. كما اقترح في هذا الإطار أن تتحد كل جمعيات المجتمع المدني لوضع خارطة طريق لتحقيق العدالة الانتقالية. منال حرزي