تستفيق في أقصى الجنوب التونسي تقريبا على الابتسامة... وتنام على طيبة الناس وكرمهم واحترام الآخرين والحقيقة أنني أكتشف مرة بعد أخرى أو عاما بعد عام كم هي منهكة ومليئة بمظاهر غير أخلاقية في عمقها عيشة المدن الكبرى حيث المصلحة الأساس والنفاق العملة الرائجة بكثافة. في طريق العودة من جرجيس حيث قضيت جانبا من عطلتي السنوية تحدث إليّ بعض الأصدقاء حول ما كتبه الزميل أبو نضال تعليقا على ما قيل في الجلسة العامة للنجم الساحلي (وأحيّي زميلنا سليم بالمناسبة) وما نسب لرئيس النجم حامد كمون حول شخصي المتواضع وشخص الزميل محمد باللطيفة وبما أنني لست متأكدا مما قيل أو على الأقل لم أعثر على ما يفيد بذلك فإنني سأعلق من حيث المبدإ فقط وفي العموميات عبر جملة من النقاط السريعة. أولا: إن من طبعنا عدم الرد على الاساءة بالاساءة فالقدح في الناس وتجريحهم هو بالمحصلة دليل ضعف فادح في الشخصية وعجز عن الاقناع أما التسلط على الضعيف فتعسف وظلم لن ننزلق إليه. ثانيا: أصبحنا نخجل فعلا من التذكير بأننا صحفيون محترفون نمارس مهنة المتاعب منذ عقدين من الزمن وبالتالي أضحى التعامل مع شتى أشكال الاستفزاز جزءا من خبزنا اليومي فإرضاء الناس غاية لا تدرك فعلا والبشر رهوط مختلفة ومستويات متفاوتة أخلاقيا وتعليميا واجتماعيا ونحن لا نعني بهذا رئيس النجم وإنما أردنا القول أننا لا نقيم وزنا لحديث المقاهي والصالونات أو سهرات الهزيع الأخير من الليل حين يختل ميزان العقل ويصبح الانسان عاجزا فعلا عن صياغة موقف رصين ومتوازن. ثالثا: ليس من عادتنا الخوض في شؤون النجم الساحلي إلا في ما ندر تجنّبا للتأويل وإن كنا نعتز بانتمائنا الى هذه العائلة العريقة وهو أمر يعلمه كل الرياضيين الذين تجمعنا بهم علاقات محبة واحترام في الأندية الكبرى والصغرى على حدّ سواء ونظن أن هذا الاحترام مرجعه بالأساس اعطاء حق الجميع على قدم المساواة وعدم الانتماء في عملنا اليومي لأي طرف كان ورفض التمسح على أعتاب أي مسؤول مهما علا شأنه وفي ما عدا ذلك فنحن نكتب ماهو قناعة لدينا وقد نخطئ ونصيب ككل البشر. رابعا: ما قد لا يعلمه رئيس النجم هو أننا لم نلتق بالسيد ماهر القروي ولو في مناسبة واحدة ولا نعرفه إلا عبر الهاتف بل إننا لا نعرف بأي مهنة يشتغل وإذا كان السيد ماهر القروي شخصا فاشلا فعلا، فلم كل هذا الهجوم الذي تعرض له في الجلسة العامة؟ خامسا: نحن لا نملك سيارة فارهة بعشرات الملايين بل مازلنا نسير على القدمين (والحمد لله) أما رصيدنا البنكي فأمامه (إشارة حمراء) باستمرار... ليس لنا مهنة أخرى إلا الصحافة ولا دخل لنا إلا منها... وليس ذنبنا أن بعض الناس لا يعرفوننا جيدا فهذه مشكلتهم الشخصية. أما الأهم من ذلك كله فهو أننا تربينا على (الاستقامة) في (عائلة وطنيةكبيرة أعطت لهذا البلد) وتعتز بأنها لم تأخذ شيئا.. إذ لا عطايا وإكراميات على الواجبات الوطنية... وللأسف الشديد هناك كثيرون أخذوا وهم لا يستحقون ذلك فعلا. سادسا وأخيرا: عرفنا رجالا من الشمال والجنوب من غرب البلاد وشرقها... العديد منهم اطارات عليا في أسلاك مهمة وقد دامت المحبة لأن معادن البشر الأصيلة هي المحرّك. نحن لا نرى فرقا حقيقيا بين بنزرت ونابل والكاف وسوسة والمنستير وقفصة... هذه قطع غاليةمن الوطن نعتز بها لأن البلد بلدنا جمعيا... إنني أخترق الخارطة من أقصى نفطة في شمالها الى أقصى قفصة جنوبا فأرى بلدي جميلا، معطاء واسمحوا لنا بأن نفتح قوسا صغيرا لنحيّي رجال أمننا من شرطة وحرس وعناصر جيشنا الوطني الذين رأيناهم على البوابات الجنوبية يحرسون تونس بكل حب ونكران للذات.. أليس هؤلاء أهم منك ومني ومن أمثالنا نحن الجالسون وراء المكيف يا رئيس النجم؟! أليس الوطن أجمل وأرقى من سخافات الكرة وحروبها الصغيرة؟! ونختم بالقول... سيظل النجم كبيرا بأحبائه الأوفياء في كل قرى ومدن الساحل وفي كل مكان من تونس... سيظل أكبر من الأشخاص والعائلات والألقاب... وسنظل هنا في «الشروق» نجلّ ونحترم رجال النجم المخلصين الأوفياء وهم كثيرون.