(سيدي عامر) * قال الرحمان الرحيم: «فبما رحمة من الله لنتَ لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من مولك فأعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكّل على الله إن الله يحب المتوكّلين» (آل عمران 159) * أراد شُريحٌ ان يتزوج فخطب امرأة تدعى زينب، فلمّا اختلى بزوجته صلى ركعتين ودعا بكل خير فعلت زوجته وراءه وطلبت أن يبيّن لها ما يحب وكيف تعاشره، فأشار إليها ما يحب وما يكره. فعملت بذلك وأحسنت معاشرته. وكانت أمها تزورها مرّة في السنة وتنصرف عنها مسرورة بحياتها لأنها احسنت تربية ابنتها. لقد توخّى شريح مع زوجته اللين والعفو والتسامح وسلك طريق الرفق والمحبة وبذلك تمكّن من أن يعيش حياة هنيئة راضية مرضية. فأنس اليها وأنست اليه. * رحم الله الامام الشافعي حيث قال: لمّا عفوتُ ولم أحقد على أحد أرحتُ نفسي من همّ العدوات وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى وفارق ولكن بالتي هي أحسنُ * نشطت الحكمة في صدر الاسلام وعمقت معانيها بفضل تأثرها بالقرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة وسير الخلفاء الراشدين، وتغيرت بعض المفاهيم الجاهلية القائمة على الاخذ بالثأر والعصبية القبلية واستعمال الغلظة والقسوة والشدّة وحل محلّها العفو والتسامح والدعوة الى مكارم الاخلاق، حتى ان بعض الايات الكريمة ذهبت امثالا ومنها: «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم» (البقرة 216) «إن بعض الظن اثم» (الحجرات 12) «ولا تزروا وازرة وزْرَ أخرى» (فاطر 12). * بعض الاحاديث النبوية الشريفة: «المرءُ على دين خليله» «لا فضل لعربيّ على أعجميّ الا بالتقوى». «كلّكم راع وكل راع مسؤول على رعيّته». * وحصيف قول المتنبّي: وما قتل الاحرار كالعفو عنهم ... ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا « وسديد قول الامام الشافعي: يخاطبني السفيه بكل قبح ... وآسف ان أكون له مجيبا يزيد سفاهة وأزيد حلما ... كعود زاده الاحراق طيبا * نستنتج مما تقدّم أن: العفو والتسامح من شيم الكرام من عفا وتسامح ساد، ومن حلُم عظُم. أفضل المذاهب مذهبُ التسامح. أعقل الناس أعذرُهم للناس، سامح صديقك ان زلّت به قدم... * أشهر حكماء عصر صدر الاسلام هو عصر سيّدنا علي كرّم الله وجهه (شعرا ونثرا) فقد تأثّر باسلامه المبكّر وبصحبة الرسول الاكرم. فكانت آراؤه الدينية صورة لتعاليم القرآن الكريم تكاد تكون تفسيرا لها وتفصيلا. ولكن عليّا لم يكتف بأن يكون ناقلا للتعاليم الاسلامية وشارحا فحسب بل حاول ان يتأمّل ويفكّر ويستنتج: «أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة»، * قال أحد حكماء الفُرس: نصحني النصحاء ووعظني الوعّاظ شفقة ونصيحة وتأديبا، فلم يعظني احد مثل شيبي، ولا نصحني مثل فكري، ولقد استضأت بنور الشمس وضوء القمر، فلم استضئ بضياء اضوأ من نور قلبي، وطلبت الغنى فلم ار شرفا ارفع من اصطناع المعروف، ولبستُ الكسى الفاخرة، فلم ار شيئا أجمل من الصلاح، وطلبت احسن الاشياء عند الناس، فلم ار شيئا احسن من حُسن الخلق. * قال احد الفلاسفة: المومن شريف، ظريف لطيف لا لعاّن ولا نمام، ولا مغتاب، ولا حسود ولا بخيل ولا مختال، يطلب من الخيرات اعلاها، ومن الاخلاق اسناها، سخيّ الكف لا يردّ سائلا: يعطف على أخيه عند عشرته لما مضى من قديم صحبته. * وحصيف قول المعرّي: عليك بفعل الخير لو لم يكن له ... من الفضل الا حسنه في المسامع. * قال الملك القدّوس : «ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين» (البقرة 286). وقال العلي القدير: «ولتكن منكم أمّة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون». (ال عمران 104).