لم يجد الشيخ إبراهيم الرياحي طريق النجاح والمجد والشهرة معبّدة بالورود والأزهار ولم تكن ظروف عائلته البسيطة المتواضعة المستقرّة بتستور تسمح بالإنفاق حتى على الحاجيات الأساسية للشيخ حتى يتفرّغ لتحصيل العلم وينصرف الى التعمّق في الدراسة واستكمال بناء شخصيته كعالم وفقيه. فقد عرف في صغره بذكائه الحاد واجتهاده وظهرت عليه علامات التفوّق والنبوغ منذ كان يدرس بجامع الزيتونة المعمور. وهي المؤهلات التي سهّلت حصوله على الإجازة التي ستفتح له أبواب التدريس بجامع الزيتونة لينتقل فيه من تلميذ طالب للعلم الى أستاذ ينهل التلاميذ والطلبة من علومه، لكن هذا الجانب المضيء في حياة الشيخ كان يخفي بالكاد حالة العوز والخصاصة التي كان يعيشها، حيث أقام فترة طويلة بمدرسة حوانيت عاشور قبل أن ينتقل بالسكن الى مدرسة بير الأحجار، وهي مدرسة لم تكن أرفع شأنا من الأولى ولم توفر للشيخ ظروفا مريحة تجعله ينظر الى المستقبل بثقة وأمان، فلم تكن سمعته التي تجاوزت حدود القطر التونسي لتوفر له الظروف المادية التي ينشد والسكينة الروحية والنفسية التي يطلب وهو ما جعله يتطلع بصفة جدية الى الهجرة والى أن يضرب في أرض اللّه الواسعة بحثا عن فرص حياة أفضل وفرص الاحتكاك بالمزيد من العلماء والفقهاء لإثراء زاده المعرفي. في هذه الفترة المفصلية تدخل الوزير يوسف صاحب الطابع الذي كان يتابع خطواته عالما ومدرّسا وأديبا، فقد تناهى الى مسامعه ما كان يعانيه الشيخ من صعوبات وما بيّت له من أمر الهجرة وهو ما دفعه الى التدخل وإثناء الشيخ عن رأيه وعمل على توفير ظروف الراحة والاستقرار إليه، فوفر له بيتا وجهّزه وزوّجه كما عهد إليه بالتدريس في جامع الحلفاوين الذي يعرف أيضا بأنه «جامع صاحب الطابع» الى جانب التدريس في جامع الزيتونة، وهو بذلك يضرب عصفورين بحجر واحد، فهو يمكّن الشيخ من مداخيل مادية تسدّ كل حاجياته، كما يمكّن المزيد من التلاميذ والطلاب من النهل من بحر علوم هذا الرجل الذي كان مفخرة للبلاد التونسية وأحد علاماتها المضيئة في تلك الفترة، وبالفعل فقد جلبت له دروسه بجامع الزيتونة المعمور وبجامع صاحب الطابع اهتمام واحترام أعيان العاصمة وأركان الدولة، كما تجاوزت أخباره وسمعته حدود القطر التونسي الى مغارب الأمة ومشارقها لتجعل منه أحد أكبر علماء ومصلحي عصره ولتجلب له اهتمام الباي حمودة باشا الذي كانت له مع شيخنا قصّة مشهورة نتوقّف عندها لاحقا. فإلى حلقة أخرى