يقتات آلاف التونسيين من مهن مهمشة وغير منظمة, هذه المهن مختلفة ومتنوعة وبإمكانها توفير مصدر عيش قار للتونسيين الناشطين فيها لو يقع تنظيمها وهيكلتها. فما هو واقع هذه المهن؟ تونس – الشروق استنادا إلى عدد هام من الدّراسات والأبحاث الميدانيّة، فإن القطاع غير المهيكل، أو ما يطلق على تسميته في تونس بالمهن المهمشة هو القطاع المتكوّن من وحدات اقتصاديّة صغيرة جدّا تنتج منافع وخدمات بهدف خلق الشّغل وضمان الدّخل. وهي تشترك في عدد من الخصائص التّي من بينها الحجم المتواضع لرأس مالها، وندرة اليد العاملة المؤهّلة لديها، ودرجة نفاذها المحدود للأسواق المنظّمة وللتّكنولوجيا، ومداخيلها الضّعيفة وغير المنتظمة، وظروف عملها التّي غالبا ما تكون غير لائقة. كما تتميّز وحدات القطاع غير المهيكل بضعف مستوى تنظيمها، وبضعف الفصل ما بين العمل ورأس المال، وبتقاطع علاقات العمل السّائدة لديها مع علاقات القربى والعلاقات الفرديّة والاجتماعيّة. أخيرا، غالبا ما تكون وحدات القطاع غير المهيكل خارج دائرة تدخّل أجهزة الإحصاء والمؤسسات العُموميّة، وهي في أغلبها على هامش أنظمة التغطية الاجتماعيّة الرّسميّة وأنظمة حماية العمّال ومنظّماته. واقع المهن المهمشة وفي تونس هناك مهن مهمشة كثيرة فرضت وجودها وتنامت نظرا لارتفاع منسوب البطالة وانسداد آفاق الشغل ومحدودية الانتدابات في الوظيفة العمومية، حيث يعاني أكثر من مليون شاب تونسي حاليا من ظاهرة التشرّد الجغرافي والعمل في مهن هشّة خارجة عن منظومة الضمان الاجتماعي لا تخضع للمراقبة الإدارية ولا توفّر للدولة موارد جباية، غير مدرجين في الإحصائيات الرسمية ولا تنسب مساهمتهم في الناتج الدّاخلي الخام. هذه الوضعية المأساوية ليست في صالح أحد لأنّها تجعلهم عرضة للمضايقات الأمنية والتتبّعات العدلية... كما أنّها تضرّ باقتصاد البلاد لأنّها تضاعف التجارة الموازية وتقوّي السّوق السّوداء التي تخفي وراءها آفات التهرّب والإرهاب والتهريب تصطحبها عمليات التدليس وتبييض الأموال... طاعون قاتل ووباء منتشر في الأسواق التونسية يشغّل الشباب بصفة وقتية لا تحفظ كرامتهم ولا تضمن لهم الدّخل القارّ. كما تخرّب الاقتصاد الوطني وتتسبّب في إفلاس المؤسّسات المحلّية نتيجة التوريد العشوائي للبضائع عن طريق مسالك توزيع سرّية! فأصحاب المهن الهشّة من باعة متجوّلين وذوي المهن الحرّة في حاجة لدعم الدّولة وتنظيم نشاطهم كي يتمتّعوا بالتغطية الاجتماعية ويتمتّعوا بالقروض البنكية وغيرها من الامتيازات الجبائية والمالية مثل بقية أصحاب المؤسّسات! فهل يعقل أن تلجأ الحكومة للقروض الأجنبية التي تحتوي على مخاطر صرف كبرى لمجابهة هذه الظاهرة من ذلك قروض البنك العالمي والاتحاد الأوروبي؟ مئات الآلاف من خرّيجي الجامعات التونسية والأجنبية منهم الأطباء والمهندسين المعماريين والفلاحيين.... والحاصلين على الماجستير والفنّيين السّاميين والمتخرّجين من مراكز التكوين المهني والتشغيل في عديد المجالات الحيوية تائهين في الشوارع والملاهي والمقاهي للحصول على قوت يومهم لأنّهم ملّوا الانتظار وقد أوصدت أمامهم أبواب الوظيفة العمومية، يدفعهم لذلك الفقر والخصاصة يملؤون أوقاتهم بأعمال لا تتناسب مع مستوياتهم العلمية ! بطالة مقنّعة لا نعرف من المسؤول عنها متفشّية في المدن والقرى والأرياف فكيف يمكن إدماج هذه الفئة من المجتمع في مجهود التنمية الشاملة؟ مليارات الدينارات يقترح الأستاذ الجامعي عبد الحميد الزيدي الخبير الاقتصادي والمالي صاحب موسوعة التمويل البنكي آليات تمويل عصرية توفّر مليارات الدّينارات للدّولة قصد استيعاب المواطنين ذوي الدّخل المحدود وتمكينهم من وسائل الإنتاج الضرورية لتحسين ظروف عيشهم بمساعدتهم على الانتصاب للحساب الخاص وبعث مشاريع تنموية في الجهات التي ينتمون إليها دون اشتراط تمويل ذاتي مسبق ولا رهون عقارية وفي وقت وجيز ! تقنيات حديثة مستمدّة من أكبر موسوعة تمويل بنكي في العالم وهي تونسية بحتة لا تستوجب ميزانية عمومية مسبقة ولا تداين خارجي أساسها الاعتماد على الذات وتشريك الكفاءات الوطنية والهياكل الجهوية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الواقع التونسي وتوفّر موارد مالية ضخمة تعدّ بعشرات مليارات الدينارات. لقد اقترحها الأستاذ عبد الحميد الزيدي منذ سنوات على الرؤساء الثلاثة وقدّمها أخيرا لاتحادي الأعراف والمنظمة الشغليّة والأحزاب الحاكمة في البلاد دون أن تلقى إلى حدّ الآن الاهتمام المطلوب رغم عجز الحكومات المتعاقبة بعد الثورة عن تحقيق الانتقال الاقتصادي والاجتماعي المنشود وإيجاد الحلول الناجعة للخروج من الأزمة المالية المتصاعدة التي تعصف بالبلاد ! البرنامج التنموي العاجل المقترح يضمن الإقلاع الاقتصادي قبل موفى سنة 2019 ويتضمّن أيضا إعادة هيكلة وإصلاح المؤسّسات العمومية الكبرى وإنقاذ المؤسسات الخاصة التي تشكو صعوبات ظرفية، غايته مجابهة البطالة لدى الشباب وتنمية الجهات الدّاخلية المحرومة ودعم الاستثمار المنتج لتحريك عجلة الإنتاج ممّا يدرّ على الدّولة بموارد جبائية إضافية هامة تغطّي العجز الحاصل في ميزانية الدّولة وتحقّق فوائد لكلّ الأطراف.