تونس الشروق: موقف النهضة من الشاهد تغير بنسبة كبيرة خلال سنة ففي الصائفة الماضية عارضته في حلمه برئاسة الجمهورية وحذرته صراحة وتوعدته ضمنيا أما اليوم فتبدو أشد الأطراف دفاعا عن بقائه. موقفها السابق مفهوم فلماذا تتمسك اليوم بالشاهد؟. «يمكن ضخ دماء جديدة...، لكن تغيير رئيس الحكومة ليس ضروريا في هذا الظرف» ما قاله رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قبل أيام في مقابلة مع رويترز تبناه مكتب الحركة التنفيذي بالتشديد في بيان أصدره مؤخرا على «أهمية الاستقرار الحكومي الذي لا تضيره التعديلات الجزئية الضرورية». وأكدته كتلة الحركة البرلمانية بالقول إثر اجتماعها بالغنوشي إنّ «التوقيت غير مناسب لإجراء تحوير وزاري شامل». قبل سنة لم تكن الحركة تدافع عن الشاهد بمثل هذه الضراوة بل وصل الحد برئيسها الغنوشي إلى إبداء تخوفه من إمكانية تفكيره في انتخابات 2019 الرئاسية وإلى تحذيره عبر تذكيره بتجربة رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة قبل أن يهدده ضمنيا في حوار بثته قناة نسمة يوم غرة أوت 2017 بعدم مساندة حكومته إن لم يعلن رسميا أنه «غير معني بإنتخابات 2019» وأنه «معني فقط بإدارة الشأن العام...». «مصلحة البلاد» النهضة مهمومة اليوم ب»الاستقرار السياسي» و»مصلحة البلاد» هذا هو السبب المعلن من معارضتها تغيير الشاهد، فهذا رئيسها الغنوشي يقول في المقابلة سابقة الذكر إنه لا يرى ضرورة لتغيير رئيس الحكومة «في ظرف تحتاج فيه البلاد إلى استقرار سياسي للمضي قدما في الإصلاحات المعطلة». وهذا النائب عن كتلة الحركة بدر الدين عبد الكافي يرى أن «البحث عن ضخ دماء جديدة في الحكومة امر مقبول ومعقول لكن يجب الا ننسى أنّ البلاد في حاجة الى الاستقرار والى توجيه رسائل ايجابية للهيآت الدولية والمالية التي تتابع الشأن التونسي عن قرب» بحسب ما نقلته عنه «موزاييك» مؤخرا. وهذا القيادي في الحركة وممثلها في لجنة الخبراء المشاركة في وثيقة قرطاج 2 سليم بسباس يقرر أن: «ما يهمنا في حركة النهضة مصلحة البلاد». هذه الغاية المعلنة تبدو معقولة، ولكن هناك أسباب أخرى غير معلنة وراء تمسك النهضة بالشاهد: الاستقرار أولا لم تعترض الحركة على الشاهد في شخصه ولا في انتمائه الحزبي لشريكها في التوافق «نداء تونس» بل اعترضت فقط على تطلعه نحو رئاسة الجمهورية عبر استغلاله رئاسته للحكومة، وعليه فإن تخوفها يتبدد بإحدى وسيلتين أولاهما أن يعلن الشاهد عدم التفكير في انتخابات 2019 وهذا ما فعله وثانيتهما أن يتم «تقليم أظافره» بتغيير وزرائه ومستشاريه المثيرين للشكوك وهذا ممكن عبر تعديل وزاري. في الحالتين تنتفي خطورة الشاهد على الحركة ومع هذا هناك مكاسب جمة من بقائه أولها وأهمها أنها خرجت فائزة في الانتخابات البلدية وهذا الفوز يسهل عليها الفوز بالاستحقاقات الانتخابية القادمة شريطة أن يتوفر الحد الأدنى من الاستقرار السياسي، وهذا الحد يكفله الإبقاء على الشاهد والاكتفاء بتعديل وزاري ولا يضمنه تغيير الحكومة كلها وخسارة الوقت في تشكيل حكومة جديدة برئيس جديد. على أن هناك أسبابا أخرى جديرة بالتنويه: لن تجد أفضل منه ليس للنهضة ضمانات حول هوية من سيخلف الشاهد على رأس الحكومة بل إن الأسماء المرشحة تخدم نداء تونس أكثر منها خلافا للرئيس الحالي الذي حافظ على مكاسبها في الحكم وأقام نوعا من التوازن في علاقته بالأحزاب الحاكمة حتى وصل به الحد إلى استهداف حزبه (نداء تونس) دون غيره في حربه المعلنة على الفساد. ومع هذا فإن تمسك النهضة بالشاهد يوجه رسالة إلى الرأي العام مفادها أنها تفكر في مصلحة البلاد أكثر من مصالحها الحزبية عبر دفاعها عن شخصية حزبية تنتمي إلى الحزب الذي ينافسها. كما إن تثبيت الشاهد في منصبه يوجه صفعة قوية إلى حزب النداء ويظهره ضعيفا وغير مسموع الكلمة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية. وبالإضافة إلى هذا كله فإن حركة النهضة لم تتخل عن سياسة الاستقطاب، وقد يكون الشاهد صيدا ثمينا إذا نجحت في ترويضه عبر الدفاع عنه في وقت عصيب ضد حزبه. في مقابل هذا كله لن تجني الحركة شيئا من إقالة الشاهد بل تصطف في خانة الخاسرين ذلك أن إقالته تحقق فوزا مبينا لخصومه وخاصة منهم نداء تونس الذي ينال جرعة من القوة قبل أن ينافس النهضة في المواعيد الانتخابية القادمة.