الطريقة التيجانية (12) مطمئنا إلى نجاح مهمته الديبلوماسية ممثلة في إقناع سلطان المغرب بإرسال مساعدات غذائية بتونس تعينها على مجابهة القحط والجفاف وذلك بعد ان أمر مولاي سليمان بتجهيز السفن بكميات من الحبوب لإرسالها إلى تونس، اتجه الشيخ إبراهيم الرياحي إلى مجالسة القطب سيدي أحمد التيجاني وجمع من العلماء الأجلاء الذين كان تدارس معهم مسائل علمية وفقهية متنوعة. وكما أسلفنا فقد غنم شيخنا كميات هامة من الحبوب أرسلها سلطان المغرب إلى تونس ولكنه غنم أيضا فرصة الاحتكاك بقطب الطريقة التيجانية الذي قرّبه ومرّر له الكثير من أسرار الطريقة التيجانية قبل أن يجيزه في علمي الظاهر والباطن لتسير إليه مشيخة الطريقة التيجانية في ربوع تونس ولتنتشر بعد ذلك في المحيطين القريب والبعيد. وقد وصلت الشيخ إبراهيم الرياحي عديد المكاتيب من القطب التيجاني نورد مقتطفا من احداها لتبيان مكانة شيخنا وعلو قدره. فقد كتب القطب قائلا: «يصل الكتاب إلى يد حبيبنا... رفيع المكانة من قلوبنا... سفير وجوّال بحار العلوم وغواص ميادين الفهوم سيدي إبراهيم الرياحي التونسي». وهكذا فقد أصبح التبجيل والإكبار والاجلال من السمات الملازمة للشيخ في لقاءاته ومسامراته المغربية حتى ان أحد أكبر مشايخ المغرب الأقصى في ذلك الوقت سيدي العربي بن السايح قال فيه في احدى رسائله: «هو شيخ الاسلام وقدوة الأنام. حامل لواء العلم والعرفان. المخصوص حيّا وميّتا برحمة الصريخ وإغاثة اللهفان. ناصر الطريقة وحامي خمارها ومطلع شموسها وأقمارها. الشيخ ابو اسحاق سيدنا إبراهيم الرياحي التونسي رضي الله عنه وأرضاه. ونفعنا بمحبته ورضاه وشهرته بالتبريز في ميادين العلم والعمل والولاية الكبرى في سائر الآفاق». وهكذا ستكون هذه السفارة والزيارة إلى المغرب الأقصى بمثابة المنعرج الحاسم في مسيرة الشيخ إبراهيم الرياحي. حيث أسهمت في دعم وترسيخ اشعاعه في ربوع المغرب العربي الكبير وفي ارجاء العالم الاسلامي. وأصبح بالتالي مؤهلا لإجازة المشايخ والعلماء. وأصبح مقصد الحائرين والباحثين عن الفهم من علماء ومشايخ الأمة الاسلامية. وبعد رحلة قادمة إلى مدينة سلا وعديد المدن ولقاء كبار المشايخ ورجال الافتاء سيعود الشيخ إبراهيم الرياحي إلى تونس متبرعا بسفن القمح التي أمر مولاي سليمان بتجهيزها. لكن الشيخ لن يعود بهذا الكنز فقط. بل سيعود بكنز أثمن وأبقى ومازال يدوي في أرجاء ضريحه بباب سويقة ومازال يلهج به الذاكرون في حلقات التصوف في كامل الأرجاء التي وصلتها الطريقة التيجانية.. الكنز يتمثل في جوهرة الكمال التي املاها الرسول (صلعم) على القطب سيدي أحمد التيجاني والتي ستكون لنا معها وقفة في العدد القادم. فإلى حلقة أخرى