إذا كان الله راضيا عن عبده طوع له الوقت فيبارك له فيه فيقضي ما كتب له أن يقضي من أمور الدنيا والآخرة ويشعر أنّ الوقت كفاه لكي يؤدّي جميع أعماله وزيادة، وإن كان العبد حائدا عن طريق الله لم يطوع له الوقت وجعله دائما في صرا ع مع الوقت وهو يركض وراء الدنيا ولم يبلغها. و الوقت سلاح ذو حدين ينفع إن أحسن استغلاله، ويضر إن أُسيء استغلاله، فإذا أحسن الإنسان استغلاله وملأه بالنافع المفيد كان خيرًا وبركة، وإن أساء الإنسان استغلاله وملأه بالضار كان شرًّا ونقمة، وقد ساق الله في كتابه صورتين: الأولى لمن أحسنوا الانتفاع بأوقاتهم فكان مآلهم حسن العقبى، قال تعالى: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (يونس 26) يفرح المؤمن بما قدّم من أعمال في الدنيا ولم يفرط ساعة من عمره في غير طاعة الله ويؤتى وهو يحمل كتابه بيمينه. قال تعالى: ﴿َفأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيه﴾ (الحاقة: 19) وقال تعالى ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ (الطور 25 ...28). والأخرى لمن أساءوا الانتفاع بأوقاتهم، فكان مآلهم سوء العقبى، حذرنا ربنا عز وجلّ من كل ما يعوق سيرنا أو يؤدي بنا إلى التثاقل، ونبهنا إلى أنه سيحاسب كل من جنى على نفسه بجناية تضييع الوقت، وسيعرضه يوم القيامة لعقاب الخزي والندامة مصداقا لقوله تعالى:﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران 30) وقال تعالى ﴿قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ﴾ (الأنعام 31) وأمّا من اتبع هواه وفرط عمره ولم يعمر صفحات أيّامه بالخير فتكون النتيجة الخسران المبين ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ﴾ (الحاقة 25) وقال تعالى ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِير﴾ (فاطر 36 و 37).