مثلما بدأ، انتهى اجتماع باريس حول ليبيا دون أي نتيجة تذكر وانفضّ المجتمعون بنفس السرعة التي تم خلالها الإعلان عن اللقاء الدولي وكأنهم قد تداعوا الى باريس فقط من اجل أخذ «صورة جماعية». لكن حتى تلك الصورة التي حاولت باريس تسويقها لم تنجح في اخفاء حالة التنافر والجفاء بين الفرقاء الليبيين المجتمعين بل لعلها أعطت صورة واضحة عن عمق الخلاف السائد بين الليبيين وأظهرت أن حالة الانقسام بينهم هي أكبر وأخطر من أن تحل في اجتماع بباريس أو في غيره. لم يكن اجتماع باريس الذي انعقد في العاصمة الفرنسية ،الاجتماع الأوّل من حيث قصوره عن تأمين تسوية سياسية قادرة على اخماد الحريق الليبي وارساء مقوّمات حل ليبي جامع، فالاجتماع لن يشكل في الواقع سوى حلقة جديدة في مسلسل اللقاءات الدولية الفاشلة التي عجزت عن انهاء الأزمة الليبية المستعصية. ليس فقط بسبب مضامينه وبنوده التي بدت عباراتها مقتضبة وانشائية وغارقة في «الرومانسية» بل ايضا بسبب استناده الى حلول «معلبة» ومستوردة من الخارج لا تأخذ بعين الاعتبار تفاصيل الواقع الليبي الدامي ومقاسات الليبيين بمختلف شرائحهم. أكثر من ذلك أن هذا المؤتمر الذي عقد في باريس تمخض عن اتفاق يتضمن8 بنود ولم يقدم في المقابل أي ضمانات قانونية تلزم أطراف الصراع باحترام ما تم الاتفاق عليه مما يجعل من فرص تنفيذ هذا الاتفاق ضئيلة ان لم تكن معدومة. ويكفي للتدليل الهجوم العنيف الذي شنّه رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية خالد المشري على خليفة حفتر قبل حتى أن يجف حبر الاتفاق مشيرا الى أنه لا يعترف بحفتر قائدا للجيش الليبي، لأنه قوة أمر واقع وليس قوة شرعية». والسؤال: ماذا بعد اجتماع «باريس» ؟ وما هي حظوظ المبادرة الفرنسية في احداث «اختراقة» في جليد الأزمة؟ واضح ان هذه المبادرة ،هذا اذا جاز وصفها بالمبادرة، لم تأت بجديد وإنما أخذت بعض الاقتراحات ووضعتها في شكل خطة لحلّ الأزمة الليبية، دون أن تقدّم أي مقاربة حقيقية تلامس المشكل الحقيقي الذي يعانيه المواطن الليبي. ولا شكّ أن من أهم المشاكل الحقيقية التي يواجهها المواطن الليبي اليوم مشكل انتشار السلاح والميليشيات التي تنتعش بشكل مفزع اليوم بعد ان احكمت قبضتها على أجهزة الحكم. فلماذا لم تبادر فرنسا ان كانت جادة فعلا في اخراج ليبيا من أزمتها إلى بلورة ترتيبات على الارض بالتعاون مع الأممالمتحدة لتوفير أجواء آمنة لإعادة بناء الدولة في ليبياومؤسساتها كما فعلت الأممالمتحدة في صراعات مشابهة في العالم؟... ولماذا استثنت مشكل الميليشيات من أجندة الاجتماع؟ إن الحل الحقيقي في ليبيا يجب أن يبدأ من «حلّ» الميليشيات أولا واطلاق حوار وطني حقيقي يعقد داخل ليبيا لا خارجها وينخرط فيه الجميع على قاعدة محاربة الارهاب وتحقيق مصالحة وطنية شاملة تحظى بإسناد عربي ودولي لكن دون أي تدخل أجنبي مباشر خصوصا من قبل بعض الدول الاقليمية التي عبثت طوال السنوات الماضية في الساحة الليبية وأغرقتها بشتى أنواع الأسلحة وما عدا ذلك فإن كل المبادرات لن تكون إلا مضيعة للجهد والوقت وتعميقا للأزمة وانحرافا بها نحو مزيد الغرق في حرب دامية بين الميليشيات المسلّحة التي لن يخرج أحد منها منتصرا.