عند اشتداد الازمات في تونس تعلق الانظار بمواقف المجتمع المدني ويُطرح السؤال المتكرر حول دور المنظمات وشيوخ الحقوقيين في حلحلة الازمات. الان ونحن نغرق في ازمة شاملة اي دور يمكن ان يلعبه المجتمع المدني لإنقاذ البلاد؟ تونس «الشروق» تعيش تونس اليوم اصعب مراحلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية فمجمل المؤشرات ماتزال سلبيّة اقتصاديّا واجتماعيّا. مؤشرات سلبيّة ما تزال البطالة في حدود 15 ٪ وهي نسبة متغيرة حسب الجنس وحسب المناطق وماتزال نسبة التضخم في مستوى قياسي وهي المقدرة خلال شهر افريل ب7.7 ٪ كما ان قيمة الدينار التونسي ما تزال مرشحة لمزيد من الانهيار امام ابرز العملات الاجنبيّة بل ان هناك من يرشح انهيار سعر صرف الدينار الى 5 دنانير مقابل واحد اورو! وذلك رغم التحسن الطفيف في نسبة النمو الاقتصادي وتسجيل نسبة نمو خلال الثلاثية الاولى للعام الجاري ب2.5٪ بسبب ارتفاع صادرات المنتوجات الفلاحيّة. كما تقدر نسبة الفقر في البلاد ب1.99 ٪ من مجموع سكان البلاد وهي النسبة التي جعلت تونس تحل في المرتبة الرابعة عربيا بعد الجيبوتي والمغرب والسودان في ترتيب الدول الاكثر فقرا وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي نهاية العام الماضي. كما ان البلاد تغرق في أزمات اجتماعية متنوعة منها زيادة ظاهرة الانتحار والعنف خاصة في المؤسسات التربوية وفي محيطها وانتشار استهلاك المخدرات في صفوف الشباب وكذلك انهيار المنظومة التربوية بالاضافة الى ازمة العطش والازمات البيئية. مقابل مجمل هذه المؤشرات ورغم مسار البناء السياسي الذي افرز دستورا جديدا للبلاد في 2014 وأفرز برلمانا منتخبا ومجالس محلية منتخبة الا ان الفشل في ادارة الملفات العاجلة في البلاد وعلى راسها الملف الاقتصادي والاجتماعي جعل الحكومات تتساقط طيلة السنوات الثماني التي اعقبت نهاية نظام حكم بن علي. اخر هذه الحكومات حكومة يوسف الشاهد والّتي حوّلت قصة فشلها الى معركة شخصية بين رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد وبين المدير التنفيذي لحزب نداء تونس حافظ قايد السبسي. هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد هي ازمة شاملة كيف يمكن للمجتمع المدني ان يمتص ارتداداتها ويخفف من حجم مخاطرها ؟ دور المجتمع المدني تقول الباحثة الاجتماعية والأستاذة بجامعة دوفين بباريس هالة اليوسفي إن جائزة نوبل للسلام الممنوحة سنة 2015 لرباعي الحوار الوطني هي اعتراف بالدور المثالي الذي لعبه المجتمع المدني في تونس «الا انه لابد من الاعتراف بان صفة التلميذ النجيب في مجال الديمقراطية التي أسبغت عليه لم تتح له دائما تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية المنشودة». قالت الباحثة ايضا إن الهشاشة المقلقة لمؤسسات الدولة جعلت الطبقة السياسية سواء المحلية او الدولية تتمسك بالمجتمع المدني وتقدمه كالفاعل الوحيد القادر على «إنقاذ» تونس من فوضى معممة. كما ان جائزة نوبل للسلام التي كرست السلطة المتعاظمة للمنظمات التاريخية اسهمت في احداث وزارة مكلفة بالعلاقة مع المجتمع المدني منذ 2015 وهو امر يظهر كيف اصبح المجتمع المدني فاعلا اساسيا في الحقل السياسي التونسي وفقا للباحثة. ولئن فشلت المنظمات التاريخية وشيوخ الحقوقيين في تونس رغم تعاظم دورهم والاعتراف بذلك محليا ودوليا في تحقيق المطالب التنمويّة والعدالة الاجتماعية فإنها اقتلعت نجاحات اخرى على مستوى التغيير الاجتماعي من ذلك الاعتراف الجماعي في تونس بوجود ظاهرة العنصرية ووجوب تجريمها بقانون كما حسم المجتمع المدني الجدل حول استكمال عمل هيئة الحقيقة والكرامة نصرة للعدالة الانتقاليّة وذلك بصدور بيان مشترك بين الهيئة ووزارة العلاقة مع المجتمع المدني ينص على استكمال الهيئة لعملها الى حين اصدار تقاريرها. وكانت منظمات المجتمع المدني قد اصدرت بيانا طالبت فيه بعدم عرقلة نشاط الهيئة. كما انتصر المجتمع المدني لقضايا عديدة عادلة منها الحركات الاجتماعية العفويّة ومنها قضايا الحريات الفردية والعامة وقضايا التعذيب الا ان تراكم الملفات في مختلف المجالات جعل من خيبة الانتظار تطال منظمات المجتمع المدني والتي اصبحت وفقا للواقع السياسي الجديد شريكا اساسيا في ادارة الشان العام.