جمع أبو سفيان ثلاثة آلاف مقاتل من قريش وكنانة والأحابيش (حلفاء قريش) وخرجت معهم النساء ليشجعن الرجال على القتال، ومن بينهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان ، ونظَّم الكفار جيشهم فجعلوا قيادة الجيش لأبي سفيان، وقيادة الفرسان لخالد بن الوليد، ومعه عكرمة بن أبي جهل. وتوجه الجيش إلى المدينة، وعلم المسلمون بتحرك المشركين وقدومهم إليهم فحملوا أسلحتهم، والتفوا حول نبيهم، وظلوا حارسين لمدينتهم ليل نهار، وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم يجمع أصحابه، ويستشيرهم في الأمر، فرأى بعضهم ألا يخرج المسلمون من المدينة، وأن يتحصنوا فيها، فإذا دخلها المشركون قاتلهم المسلمون في الطرقات وحصدوهم حصدًا، فهم أعلم بمسالك مدينتهم ورأى البعض الآخر -وخاصة الذين لم يشهدوا القتال يوم بدر- أن يخرجوا لملاقاة المشركين خارج المدينة. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم من أصحاب الرأي الأول، ومع ذلك وافق على الرأي الثاني؛ لأن أصحاب هذا الرأي ألحوا عليه، ولم يكن الوحي قد نزل بأمر محدد في هذا الشأن . وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في ألف من أصحابه، في شوال سنة ثلاث من الهجرة، حتى إذا كانوا بين المدينة وأُحُد، رجع عبد الله بن أُبي بن سلول بثلث الجيش. وعسكر المسلمون في شِعْبٍ في جبل أُحُد، وجعلوا الجبل خلف ظهورهم، واختار الرسول صلى الله عليه وسلم خمسين رجلا يحسنون الرماية، وجعل عبد الله بن جبير قائدًا عليهم وقال لهم: (لا تبرحوا (لا تتركوا) مكانكم؛ إن رأيتمونا ظهرنا عليهم (انتصرنا) فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا) [البخاري]. وهكذا أغلق الباب أمام التفاف الأعداء حول جيشه، وحمى يمينه بالجبال، وفي صباح يوم السبت السابع من شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، بدأت المعركة وانقض المسلمون على المشركين، فقتلوا حملة لواء المشركين، فكانوا يسقطون واحدًا بعد الآخر حتى سقط اللواء ولم يجد من يحمله، وكان حمزة بن عبد المطلب ينقض بسيفه على المشركين، فيطيح بهم، وكان وحشي بن حرب ينظر إلى حمزة من بعيد ويتبعه حيث كان، ذلك لأن سيده جبير بن مطعم بن عدي الذي قتل عمه طعيمة بن عدي يوم بدر قال له: اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمِّي، فأنت عتيق (حر). وكان وحشي عبدًا حبشيًّا يقذف بالحربة بمهارة شديدة، فقلما يخطئ بها شيئًا، فاقترب وحشي من حمزة، ورماه بالحربة فأصابته، فوقع شهيدًا في سبيل الله، وسيطر المسلمون على المعركة، وأكثروا القتل والأسر في جنود المشركين، وحاول المشركون الفرار، فذهب المسلمون وراءهم، فكان المشركون يتركون متاعهم وسلاحهم لينجوا من القتل. وكان الرماة على الجبل يشاهدون المعركة، فظنوا أنها قد انتهت بانتصار المسلمين؛ فتركوا أماكنهم، ونزلوا من فوق الجبل ليشاركوا في جمع الغنائم فتركوا ظهر المسلمين مكشوفًا لعدوهم، فانتهز خالد بن الوليد قائد فرسان المشركين فرصة الخطأ الذي وقع فيه رماة المسلمين، فاستدار وجاء من خلف الجيش، وقتل من بقى من الرماة ،فاختل نظام المسلمين وارتبكوا، ونجح المشركون في قتل كثيرين منهم. وتبدَّل الحال، وركز المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه ولكنه صلى الله عليه وسلم ثبت لهم، وأخذ يدافع عن نفسه، وحوله بعض الصحابة مثل: طلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما . ولكنه تعرض لإصابات كثيرة في ركبته، ووجهه، وأسنانه، وسال الدم على وجهه الشريف، فأخذ يمسح الدم وهو يقول: (كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وعاد المشركون إلى بلدهم، وقد انتشرت في ساحة القتال جثث شهداء المسلمين وقتلى الكفار، سبعون شهيدًا من المسلمين، واثنان وعشرون قتيلا من المشركين .