قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه). هي ليلة واحدة، لكنها دهر، وساعات معدودة، لكنها سنوات ممتدة، وزمن قصير في حشاه خير كثير، ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]. إنها ليلة تختصر مسافة الزمن، وطريقَ الوصول إلى الهدف المأمول. هذه الليلة المباركة هي الليلة التي شمّر لقيامها أهل السباق، ونصبوا لأجلها أقدمَهم بين يدي الخلاّق، وأسهروا عيونهم، وادخروا الدموع الكثيرة ليريقوها هذه الليلة. إن الله تعالى قد شرّف هذه الليلة بنزول القرآن الكريم فيها من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3] وهي ليلة ذات شرف وفضل وعظمة ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]، وتفوق بهذا الفضل والشرف والعمل الصالح فيها ألفَ شهر ليس فيها ليلةُ قدر، ومن براهين فضلها وخيرها: أن الملائكة يكثر نزولهم إلى الأرض ومن بينهم جبريل عليه السلام، ولا تهبط الملائكة إلا بالخير ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر: 4]، وهي ليلة كاملة ذات سلامة من المكروهات، وتسليم من الملائكة على المؤمنين، وينبغي عدم الخصام والاختلاف فيها، ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 5]، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: (إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرُفِعت، وعسى أن يكون خيراً لكم). وفيها ليلة التقدير السنوي بالأرزاق والآجال والأعمال، يُفصل ذلك من اللوح المحفوظ إلى الكتبة من الملائكة . فيا أيها المسلم، برهنْ على صدق إيمانك، وحرصك على الخير بقيامك هذه الليلة في العشر الأواخر؛ ابتغاء وجه الله، ومن رحمة الله تعالى أن هذه الليلة أُخفي تحديدها؛ حتى يكثر اجتهاد العابدين، وتزيد قربات المتقربين، من هذا المنهل المَعين. لكن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قرّب ذلك الزمن فحث على التماسها في أوتار العشر، وهي ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، فقال عليه الصلاة والسلام: (التمسوها في العشر الأواخر (يعني: ليلة القدر) فإن ضعف أحدكم أوعجز فلا يغلبن على السبع البواقي) ، وقال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى).