ميزانية الدولة 2026: الزيادة في نفقات مهمة التشغيل والتكوين المهني ب 5 بالمائة    وزارة الأسرة تنظم دورة تكوينية لفائدة رؤساء مصالح كبار السنّ حول حوكمة التصرف في التمويل العمومي    قبل رأس العام: مصنّعوا المرطّبات في تونس يُعانون من فقدان البوفريوة    نابل: انطلاق موسم الزراعات الكبرى وسط تشكيات من انعدام توفر البذور) فيديو)    عاجل : فيديوهات ''توم توم ساهور'' و''باليرينا كابتشينو'' تهدد صحة صغاركم    مصادر: خطة واشنطن لإنهاء حرب أوكرانيا ‬مستمدة من وثيقة روسية    صدمة في إسطنبول: عائلة ألمانية تموت فجأة في فندق!..شنيا الحكاية؟    شنوا حكاية الظاهرة الغريبة اللى قربت للأرض ؟    الشتاء جاء: تعلّم كيفاش تسعف شخص تعرّض للإختنق بسبب وسائل التدفئة    بعد نشر صواريخ يابانية.. الصين تتوعد بسحق أي تدخل أجنبي في تايوان    "حظر الأسلحة الكيميائية" تجدد عضوية الجزائر في مجلسها التنفيذي ممثلة لإفريقيا    الترجي الرياضي: المساكني يباشر التمارين.. وموعد جديد لرحلة أنغولا    الملعب التونسي: جمال الدين ليمام يخضع لتدخل جراحي ناجح    اليوم وغدا: طقس بارد مع تهاطل أمطار محليا غزيرة    إرشاد المستهلك تقترح زيت الزيتون بين6 و 9 و10 دينارات للمستهلك التونسي    دكتور للتونسيين: هاو كيفاش تعرف روحك مريض بالوسواس القهري    حذاري: 4 مأكولات تخفي سموم كان عاودت سخنتها في ''الميكرووند''    النادي الإفريقي: اليوم وصول الوفد الف..لس..طي..ني    للتوانسة : شنية الشروط الى لازم تتوفر فيك بش تجيب كرهبة مالخارج ؟    يتزعمها مصنف خطير معروف بكنية " dabadoo" : تفكيك امبراطورية ترويج المخدرات في سيدي حسين    تعليمات رئاسية عاجلة: تطبيق القانون فورًا لرفع الفضلات بالشارع    Titre    منخفض جوي جديد مع بداية ديسمبر... حضّر روحك للبرد والمطر    غدا... آخر أجل للتسجيل في مناظرة السيزيام    طقس اليوم: أمطار غزيرة والحرارة في انخفاض    نبوءة مثيرة للجدل تعود للواجهة!.. هل اقترب "اليوم الأخير للعالم"؟    بطولة المنامة (2) للتنس للتحدي - عزيز واقع يخرج من الدور السادس عشر على يد الالماني ماكسيليان هومبيرغ    مباريات نار اليوم في دوري أبطال أوروبا..شوف شكون ضد شكون!    انسحاب صادم.. أشهر حكمة مغربية تعلن اعتزالها وتكشف السبب    عاجل: تونس في كاس العرب ...هذه القنوات المجانية للنقل التلفزي    عاجل: هذه آخر مُستجدات وفاة المحامية أسماء مباركي    عامر بحبة: منخفضات باردة وأمطار غزيرة في الطريق إلى تونس خلال الأيام القادمة    البنك الأفريقي للتنمية يُموّل مشروع تعصير شبكة مياه الشرب وتقويتها في تونس الكبرى بقيمة 111.5 مليون أورو    رئيس الجمهوريّة يرحب باعتزام البنك الإفريقي للتصدير والتوريد فتح مكتب إقليمي له بتونس    لسعد بن عثمان " لمين النهدي والمنجي العوني ودليلة المفتاحي استخسروا على نور الدين بن عياد مجرد تعزية"    شهداء بنيران الاحتلال في غزة والنازحون يصارعون البرد والسيول    عاجل: انتخاب ممثلة ال'تونيسار' حليمة ابراهيم خواجة نائبا لرئيس جمعية النقل الجوي الفرنكوفوني    قفصة: يوم جهوي تحسيسي حول الأمراض الحيوانية المنقولة عن طريق الحشرات    أشغال تهيئة في مسرح أوذنة الأثري    من دمشق والقاهرة إلى أيام قرطاج المسرحية.. المهرجانات المسرحية العربية.. رحلة نصف قرن من الإبداع    اليونسكو تطلق مشروعا جديدا لدعم دور الثقافة في التنمية المستدامة في تونس بقيمة 1.5 مليون دولار    إيداع 5 متهمين السجن في قضية تحيّل إلكتروني بقيمة 3 ملايين دينار    عدد زوّار تونس يزيدة ب10،3٪ إلى حدود 20 نوفمبر    سامي الطرابلسي: استمرار قيادتي للمنتخب مرتبطة بتحقيق هذه الأهداف..#خبر_عاجل    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك تدعو للتصدي لخطر الهندسة الاجتماعية الرقمية    بيونة في ذمة الله: الوداع الأخير للممثلة الجزائرية    "سينيماد" تظاهرة جديدة في تونس تقدم لعشاق السينما أحدث الأفلام العالمية    تصدر الترند: مسلسل "ورد وشوكولاتة" يثير جدلا كبيرا: هل غيّر المسلسل قصة مقتل الإعلامية شيماء جمال..؟    نجمة الكوميديا الجزائرية 'بيونة' في ذمّة الله    عاجل: هذا موعد ميلاد هلال شهر رجب وأول أيامه فلكياً    تزامنا مع موجة البرد: نداء هام للمواطنيين وموزعي قوارير الغاز المنزلي..#خبر_عاجل    الممثلة التونسية عفاف بن محمود تفوز بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم ''الجولة_13''    جائزة عربية مرموقة للفاضل الجعايبي في 2025    التوقعات الجوية لهذا اليوم..أمطار بهذه المناطق..    مخاطر الانحراف بالفتوى    في ندوة «الشروق الفكرية» «الفتوى في التاريخ الإسلامي بين الاجتهاد والتأويل»    الفتاوى الشاذة والهجوم على صحيح البخاري    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نفحات .. من أنت أيّها الماء؟
نشر في الشروق يوم 07 - 06 - 2018

رغم التقدّم العلمي المذهل الذي تحقق بفضل الثورة الرقميّة وتطوّر وسائله وآلياته فإن المجتمع العلمي لا يزال عاجزا عن فهم كنه هذا السائل الذي لا حياة من دونه: الماء!
إنه لغز. بل إنه اللّغز.
في آخر كتبه حول الماء والذي عنوانه «معجزة الماء المنسيّة» يكشف أحد أشهر المختصّين في المجال الفرنسي جاك كولان(1) أنه إلى حدّ الآن عجز العلماء عن فهم الخصائص الفيزيائية والفيزيولوجية الدقيقة للماء.
في الماء سرّ عميق قد يكون مأتاه أنه سبق خلق الإنسان. ففي حديث للرسول صلّى الله عليه وسلّم: «بُعثتُ وآدم بين الماء والطّين».
فكل الحضارات عظّمت الماء وأولته مكانة رئيسية في معتقداتها، وكل الأديان السماوية أعطت الماء أهميّة قصوى وجعلت منه شرطا وأساسا لطقوسها،
والإسلام وارث الأديان التوحيدية أعطى للماء مكانة وقيمة خاصتين حيث ذُكر الماء وتفرعاته في القرآن قرابة 160 مرة وجاءت أوصافه متعددة: «ماء صديد» (سورة إبراهيم آية 16)، «ماء غير آسن» (سورة محمد آية 15)، «ماء مباركا» (سورة ق آية 9)، «ماء غدقا« (سورة الجنّ آية 16)، «ماء فراتا» (سورة المرسلات آية 27)، «ماء ثجّاجا» (سورة النبأ أية 14)..
والماء في القرآن جاء على معنيين متناقضين. معنى إيجابي من حيث هو هبةٌ من اللّه لا من غيره: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} (سورة الواقعة) لبثّ الحياة في الأرض: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ». ومعنى سلبي يصبح به الماء وسيلة للعقاب لإغراق الظالمين والمفسدين. ومن ذلك غرق فرعون: {فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا} (سورة الشعراء آية 66).
فالماء نعمة ورمز للحياة. ويمكن أن يتحوّل إلى نقمة ورمز للموت. لكن صفة الماء كواهب للحياة هي الغالبة وهي كذلك مقترنة بالجنّة: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (سورة البقرة آية 25).
ويوصف عرش الله بأنه قائم على الماء.
وترتبط قصص الأنبياء ومعجزاتهم بالماء.
فنوح نجّاه الله من كفر قومه بفضل السفينة التي أمره ببنائها حتى إذا جاء الطوفان حمل السفينة ومن فيها وما فيها، والنبي صالح ارتبطت كذلك معجزته بالماء الذي رفض قومه تقسيم شربه بينهم وبين الناقة وعقروها، والنبي إبراهيم الذي أسكن من ذريته في واد غير ذي زرع كذلك بنى الكعبة بفضل اكتشاف ماء زمزم الذي كان معجزة إبنه اسماعيل وزوجته هاجر، وموسى الذي نجا من مطاردة فرعون له بفضل انقسام البحر وتركه يمرّ هو وقومه قبل أن يغرق فرعون وجنوده، والنبي يونس الذي ابتلعه الحوت ثم لفظه لأنه كان من المسبّحين، وعيسى وأمّه مريم اللذان جعلهما الله آية وآواهما إلى ربوة ذات معين، أي ماء يُرى بالعين..
وتذكر السّير في خصوص سيدنا محمد (صلعم) أربع معجزات أولها نبع الماء الذي انبجس من بين أصابعه فتوضأ ثلاث مائة ممن معه، وثانيهما شربه (صلعم) يوم الحديبيّة من بئر لا ماء فيه وشرب معه 1400 من المسلمين وركائبهم، وثالثها تحويله الماء المالحة إلى ماء عذب، ورابعها جعله بئر قباء الفارغة المهجورة تمتلئ ماءًا.
يحتلّ الماء بُعدًا مميّزا في الفقه الإسلامي باعتباره عاملا أساسيا لطهارة المسلم في ممارسة عبادته. قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (سورة الفرقان). أما عند المتصوّفة فإن الماء يمثل الرّمز الأكبر للمعرفة لذلك يوظفون البحر للتعبير عن اتساع المعرفة والعلم الالهيين كما في طاسين السّراج للحلاج(2): «فوقه غمامة بَرقَتْ، وتحته بَرقةٌ لمعت، وأشرقت، وأمطرت، وأثمرتْ، والعلوم كلّها قطرةٌ من بحره، والحِكَم كلها غَرفةٌ من نهره».
لم يبح الماء بأسراره ولا يزال العلماء في أكثر البلدان تقدّما يبحثون في فهم كنهه وفك رموزه. لعل الماء يحمل جوهر إصلاح الإنسان وحاجته العمقة لاستعادة نقاوته الأصلية الأولى التي خلقه اللّه عليها.. ولعله وقد يصبح غدا أخطر امتحان لإظهار إنسانية الإنسان أو وحشيته.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أينما كان الماء كان المال، وأينما كان الماء كانت الفتنة».
فمن أنت أيّها الماء؟
1) جاك كولان: معجزة الماء المنسية: Jacques Collin: L›eau, le miracle oulbié
2) هو الحسين بن منصور الحلاج: من أشهر المتصوّفين أُعدم في بغداد سنة 922م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.