كان ملفا ليصبح اتفاقا بعد اثني عشر عاما من المفاوضات المضنية، وليتحول مرة أخرى الى ملف بجرة قلم وضعته الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي رأت أن الاتفاق النووي بصيغته الحالية يمنح ايران حقوقا شرعية أكثر مما تستحق وتمكنها من ترميم بيتها الداخلي المنهك بعد سنوات الحصار مما سيقودها الى القيام بخطوات تصعيدية مناوئة على الساحة الاقليمية، وخاصة العلاقة مع اسرائيل وبقية دول الخليج بما لا يتناسب مع أهداف ومخططات الادارة الأمريكية في المنطقة، وخاصة على ضوء التطورات التي جدت على الساحة السورية. ونعني بالذات إطلاق صواريخ ايرانية باتجاه أهداف عسكرية اسرائيلية انطلاقا من الأراضي السورية كرد على الاستفزازات الاسرائيلية الموجهة الى ايران والمتمثلة في قصف مواقع عسكرية ايرانيةمتواجدة في سورية والتي يشكل تواصل وجودها على الحدود مع الكيان الصهيوني وبالنسبة له وللولايات المتحدة منكر لا يمكن السماح به على اعتبار أن أمن اسرائيل هوأولى المسلمات في السياسة الأمريكية. فوضع التطورات السابقة الى جانب تاريخ العلاقات بين الدولتين يوحيان بوجود شيء من العشق الحرام بين أمريكاوايران. أمريكا تعشق الوجود الايراني بمخاطره وتهديداته "المواربة" سواء على المستوى الخليجي أوالسوري. ولكنها تريده وجودا تملك هي العصمة فيه. فأمريكا تضع ايران على رأس قائمة "محور الشر". وتستميت لقطع الطريق عليها لمنع تطوير سلاحها النووي. ولكنها في نفس الوقت لا تريد لمباحثات الاتفاق النهائي للملف النووي الايراني أن تنتهي قبل أن تنتهي هي من عملية ابتزاز دول الخليج .فأمريكا عقدت قرانها السري على ايران عندما تعلق الموضوع بعراق صدام حسين وما بعد صدام حسين، عندما وضعتها في مواجهته وحربه معها شكل استنزافا للكثير من مقدرات العراق الذي كان يشكل آنذاك مع دمشق نواة للقومية العربية سياسيا فكريا، وحضاريا وحتى معنويا. ولكنها ترمي عليها طلاقا باتا عندما يتعلق التهديد بالكيان الصهيوني ابنها المدلل. وحينها تضع أمام ايران لافتة (قف) ضخمة!!..أمريكا تعشق ايران كفزاعة تحركها في وجه دول الخليج كلما عنت لها ضرورات ابتزازها عبر التضخيم الممنهج لما يسمى التهديدات الايرانية، سواء على المستوى الديني بطموحاتها بمد شيعي، أوعلى المستوى العسكري بتطويرها للتكنولوجيا العسكرية، أو على المستوى الجغرافي بتهديدها لحدودها البحرية ولمصالحها في منطقة الخليج العربي. أما بالنسبة الى ايران التي دأبت على المناورة بمنتهى الصبر والدهاء الفارسيين اللذين مكناها من إقناع العالم وأوروبا خاصة بسلمية برنامجها النووي. فإنها لم ترضخ يوما للمحاولات الأمريكية لادخالها بيت الطاعة ولكنها كثيرا ما التقطت الرسائل الأمريكية المشفرة بخصوص قضايا اقليمية ذات مصالح ثنائية الأبعاد بينهم. فكان أن طورت قدراتها العسكرية لمرحلة القدرة على الردع وعلى التهديد حتى لوكان مبطنا، متكئة على أمن غذائي وصناعي وجبهة داخلية متماسكة.وخارجيا نسجت خيوطا لتحالفات استراتيجية خاصة مع روسيا وسوريا وبمستوى أقل تركيا. ومدت أذرعها العسكرية باتجاه الداخل الفلسطيني بدعمها لحركة حماس، وباتجاه لبنان بدعمها لحزب الله، مؤسسة بذلك نقاط ضغط يحسب لها ألف حساب قبل القيام بأية تحركات معادية لها عدا محاولاتها الأخيرة عزل القرار الأوروبي عن الأمريكي بخصوص برنامجها النووي بالاقناع تارة وبالتهديد طورا بالعودة الى تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية، مما خلق تناقضا بين الموقف الأوروبي والأمريكي هذا إن اعتمدنا حسن النوايا، والا فالتباين بين الموقفين قد لا يعدوأن يكون حلقة في مسلسل (تقاسم الأدوار) الممجوج والمعتمد هنا لعدة أسباب، أولا : لامتصاص ردة فعل ايرانية غير متوقعة خاصة أن ايران عودتنا دائما على أنها تحمل جيوبا سرية في سترتها. وثانيا: لتبقى الجبهة الايرانية بكل تهديداتها المزعومة مفتوحة ومغلقة في آن واحد، ولتبقى المنطقة دائما قي حالة اللاحرب-اللاسلم باعتبارها الضامن الرئيسي لسباق التسلح (الذي يكاد أن يتحول الى نووي) بكل ما يعنيه هذا من عائدات مالية هائلة لمصنعي السلاح ومصدريه. المنطق يقترح انحياز أمريكا الى الجانب الخليجي ضد ايران كنتيجة حتمية للعداء الذي تكنه ايرانللأمريكان والغرب. ولكن بعض الوقائع تشي بعكس ذلك بدلالة أن الخليج على الخرائط الأمريكية ليس خليجا عربيا وانما...هوفارسي .