تونس الشروق: عاش الرأي العام في تونس في الأيام الاخيرة على وقع «قضية» الإنقلاب التي وردت بتقرير الصحفي الفرنسي «نيكولا بو»، والتي خلقت أجواء من التجاذب والاحتقان وفسحت المجال أمام تجاذبات بين مختلف الاطراف أثرت على المناخ العام وتهدد استقرار البلاد دون ان تتضح الحقيقة الى حد الآن. ومنذ اكثر من عام يتابع التونسيون ما اصبح يُعرف بقضية «التآمر على أمن الدولة» المتهم فيها رجل الاعمال شفيق جراية وعدد من الشخصيات السياسية والمسؤولين الامنيين ووزير الداخلية السابق ناجم الغرسلي لكن دون ان تكشف الجهات الرسمية عن حقيقة هذه القضية. كما تكررت اكثر من مرّة الروايات حول ما يجري في كواليس الحُكم وخاصة ما يهم العلاقات بين الاطراف السياسية الفاعلة وحول «معارك» حماية المصالح والمناصب وتخطيط كل طرف للاطاحة بالخصم وهو ما حصل بمناسبة الاجتماعات الاخيرة للموقعين على وثيقة قرطاج. هذه التقلبات المختلفة أثرت على المناخ العام في البلاد وأصبحت تهدد بتقويض اجواء التوافق والتشاور والحوار التي تنظم منذ سنوات سير العلاقات بين مختلف الاطراف السياسية. ويذهب محللون حد القول انها قد تهدد بمخاطر من الدرجة العالية باعتبار ما قد تمثله من تهديد للسلامة الجسدية لبعض الاطراف أو لحياتهم وإمكانية تشجيعها على العنف والفوضى. كما انها تؤدي إلى فقدان المواطن الثقة في السياسيين وفي السلطة الحاكمة على وجه الخصوص. في أغلب الديمقراطيات في العالم، لا تمر مثل هذه «الروايات» دون ان تتم متابعتها وتوضيحها رسميا سواء قضائيا او سياسيا وذلك احتراما لمبادئ الشفافية والنزاهة وايضا في اطار احترام المسؤولين للشعب الذي انتخبهم. لكن في تونس مازال المسؤولون يتعاملون مع مثل هذه المسائل الخطيرة بعقليات تقليدية، حيث يخشون الخوض فيها لتوضيحها للرأي العام. فالتونسيون يتساءلون إلى اليوم لماذا لم تتضح حقيقة قضية التآمر على امن الدولة بعد مرور عام على إثارتها ولماذا لم يخرج أحد كبار المسؤولين لتوضيحها للرأي العام ولطمأنة الشعب. وكذلك الشان بالنسبة لقضايا الفساد الكبرى التي أثيرت أيضا منذ حوالي عام ولم تتضح حقيقتها ولا المتورطون الحقيقيون فيها إلى حد الآن. ومنذ اشهر يعيش الرأي العام في تونس أيضا على وقع «أزمة» إقالة حكومة الشاهد او الابقاء عليها. وهو ما فسح المجال أيضا أمام إشاعات عديدة حول العلاقات والتوازنات السياسية التي أصبحت قائمة لا سيما ما تردد عن علاقة رئيس الحكومة بحركة النهضة او علاقة نداء تونس بيوسف الشاهد وكذلك علاقة هذا الاخير برئيس الجمهورية. وفي الأيام الاخيرة طفت على سطح الاحداث قضية «الانقلاب» التي اوردها تقرير صحفي فرنسي واتهم فيها وزير الداخلية السابق لطفي ابراهم بالتخطيط لانقلاب على منظومة الحكم الحالية بالتعاون مع اطراف اجنبية. وهو ما ادخل البلبلة والارتباك لدى الرأي العام لكن رغم ذلك لم يخرج اي طرف رسمي، بما في ذلك رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية او المعني بالامر نفسه ( لطفي ابراهم) لتأكيد او لتفنيد هذه الرواية. والاكثر من ذلك، يتضح احيانا انه توجد توافقات بين الاطراف المعنية على عدم الخروج للعلن وتوضيح الحقائق فتبقى غامضة الى الابد وتقع المحافظة في الآن نفسه على مصالح كل الاطراف.. كل ذلك يدفع الى التساؤل لماذا يخشى المسؤولون في تونس كشف الحقيقة ولماذا يخشون المواجهة مع الرأي العام ولماذا لا يُقرّون بالخطإ عند ارتكابه ويتحملون المسؤولية كاملة؟ ويرى المختصون ان السبب في هذا الامتناع هو الرغبة في حماية المصالح الشخصية والحزبية والسياسية.