مثلت الانتخابات البلدية امتحانا حقيقيا للعمل السياسي في انتخابات تجري في أصغر رقعة جغرافية أي بين أفراد من نفس العائلة أو الحي على أقصى تقدير. وكانت لتلك الخاصية بصمتها في نتيجة التصويت. تونس الشروق: شهدت تونس يوم 6 ماي الماضي إجراء أول انتخابات بلدية منذ جانفي 2011. وكان للمستقلين نصيب الأسد فيها تلتهم حركة النهضة ثم حركة نداء تونس. وكانت مفاجأة تلك الانتخابات في اكتشافنا أهم خصوصياتها. فهي تدور في إطار عائلي و»عروشي» بحت بعيدا عن موازين القوى التقليدية. ومن هنا تحصلت كل قائمة على ما يعادل نفوذها العائلي في الدائرة البلدية مهما كان لون تلك القائمة سواء أكانت حزبية أو ائتلافية أو مستقلة. ومهما كانت المصاريف التي رصدتها لحملتها الانتخابية وجدنا قائمات لم تقم بحملة كبيرة. وفازت بأغلب الأصوات في حين أن هناك قائمات أخرى أنفقت الكثير من الأموال لكنها لم تحصل على أغلبية الأصوات. ومع انتهاء الانتخابات فإن درس الانتخابات البلدية لم ينته. حيث أن هناك درسا ثانيا خلال عملية تركيز المجالس البلدية وانتخاب رؤسائها والتي لم تخرج عن القاعدة السابقة. حيث أنها احترمت في كثير من الأحيان معطى العلاقات العائلية أكثر من احترامها الانتماءات السياسية. وفي هذا الصدد فقد وجدنا أن عملية تنصيب المجالس أو انتخاب مكتبها خرجت عن المألوف وكسرت كل المحظورات في الساحة السياسية لتسمح بتكون تحالفات تعتبر من المحرمات في المشهد السياسي. ولا يمكن لأحد أن يتخيل حصولها. ويمكن أن نشير الى بعض الأمثلة في هذا السياق. فمثلا هناك تحالفات في بعض البلديات جمعت بين حركة النهضة والجبهة الشعبية وكذلك التي جمعت بين حركة نداء تونس والتيار الديمقراطي أو بين حركة نداء تونس والجبهة الشعبية أو بين مستقلين وحركة النهضة أو نداء تونس ضد أحدهما. إذن هذا هو الدرس الثاني في الانتخابات البلدية. وهو أن المعطى المحلي أقوى من المعطى الوطني في العمل السياسي. وليست هناك خطوط حمراء يمكن أن تحترم في المحليات بشكل كامل وانما هناك تحالفات محلية قد تكسر كل الحدود التي وضعتها الساحة السياسية لتحافظ على توازنها المحلي أو مصالحها المحلية. وهو ما يختلف بشكل كامل عن الانتخابات التشريعية والرئاسية التي ترتكز على المشهد العام فقط والحدود أو الخطوط الحمراء التي يرسمها الكبار أو القادة. كما تختلف الانتخابات البلدية ونتائجها أي توزيع المقاعد في ما بعد عن التشريعية والرئاسية على مستوى الإنفاق الانتخابي. حيث أن المال المرصود للحملة لا يكون عنصرا محددا في نتيجة الانتخابات. فالبلديات تقوم على مدى قوة علاقة المترشح والقائمة ككل بمحيطها في حين أننا شاهدنا قدرة التمويل على خلق الفارق في الانتخابات الأخرى. تحالفات طبيعية تؤكد عملية تركيز المجالس البلدية وانتخاب رؤسائها والمتواصلة الى غاية 10 جويلية القادم أن طبيعة التحالفات فيها تراوحت بين التقييد بخصوصية المحلي حينا والاصطفاف السياسي أحيانا. وجرى الى حدود يوم أمس تركيز 117 مجلسا بلديا موزعا على 22 ولاية في انتظار استكمال هذا المسار يوم 10 جويلية بانتخاب رئيس بلدية المرسى ومساعديه. وبدت التحالفات التي سبقت عملية انتخاب رئيس البلدية في العديد من البلديات متسمة بالتقييد بخصوصية المحليات بما أنتج تحالفات سياسية طبيعية في مستوى عدد المقاعد المتحصل عليها لكل مرشح. حيث فاز المستقلون برئاسة عدد من البلديات التي تحصلوا فيها على أغلبية المقاعد على غرار بلدية تطاوين الجنوبية وبلدية مطماطة من ولاية قابس وبلدية أريانة. كما انعكست التحالفات السياسية الجارية في المشهد السياسي على تحالفات البلدية. حيث كانت بصمة «التوافق» حاضرة في أكثر من بلدية ومنها بلدية رواد من ولاية أريانة التي أعلن فيها الحزبان الأغلبيان التوافق بأن تؤول رئاسة المجلس الى رئيس قائمة النهضة عدنان بوعصيدة. وتخلت النهضة في بلدية رمادة من ولاية تطاوين عن رئاستها لرئيس قائمة نداء تونس الحبيب حفيان رغم فوزها بأغلبية المقاعد هناك. تحالفات تكسر المحظور أظهرت عملية تركيز المجالس البلدية في عدد من البلديات تشكل تحالفات جديدة على المشهد السياسي كسرت الحدود التقليدية للتحالفات في المشهد السياسي. ومنها تحالف مستقلين مع نداء تونس ضد حركة النهضة أو تحالف عكسي للنهضة مع المستقلين ضد النداء . وفي هذا السياق كشف فوز حمادي شنيور رئيس قائمة مستقلة برئاسة بلدية المحرس من ولاية صفاقس تصويت النهضة له بدلا من رئيس قائمة النداء. كما كشف فوز المستقل الأزهر القابسي برئاسة بلدية قصر هلال من ولاية المنستير تحالفا بين النداء والمستقلين هناك. كما كشف فوز رئيس قائمة التيار الديمقراطي برئاسة بلدية البساتين من ولاية منوبة بروز تحالفات عقابية تجاوزت المحظورات. حيث افترض المنطق العقلاني فوز حركة النهضة برئاسة البلدية لاسيما أنها ممثلة ب8 مقاعد يليها نداء تونس ب7 مقاعد فيما يضم التيار الديمقراطي 3 مقاعد فحسب مكنته من رئاسة البلدية نتيجة تصويت الندائيين لهم. وفي انتظار تركيز المجلس البلدي بالعروسة من ولاية سليانة أعلنت الجبهة الشعبية يوم 14 تحالفها محليا مع حركة النهضة في توزيع الخطط البلدية في توافق تاريخي غلب المنطق المحلي على المنطق السياسي.