باخرة تحمل ما يزيد عن 600 مهاجر غير شرعي وقع انتشالهم قبالة الشواطئ الليبية كادت أن تحدث أزمة حادة بين الدول الاوروبية حيث رفضت مالطا وإيطاليا وفرنسا استقبالها وإن تم في النهاية اقتسامهم فقد كان من تداعيات هذه الحادثة عقد اجتماع قمة للإتحاد الأوربي لبحث هذا الملف تواصل مدة ساعات طويلة قبل أن يفضي إلى قرارات اقل مت يقال فيها أنها غير قابلة للتطبيق، إذ أنها اكتفت بدعوة البلدان الأعضاء إلى إنشاء مراكز إيواء المهاجرين الذين يحلون على أرضها بصفة تطوعية وهوما رفضه الجميع كما اقرت ضرورة السعي لدى دول جنوب المتوسط لإحداث منصات لاستقبال المهاجرين بغرض القيام بالفرز بين من له صفة اللاجئ الذي يقع قبوله في أحد الدول الأوروبية وبين من لا صفة له الذي يتم إعادته إلى بلده الاصلي. وإن إحداث مثل هذه المنصات يتطلب موافقة الدول المعنية وهي بالأساس دول إفريقيا الشمالية التي تعتبرها أوروبا دول عبور للمهاجرين القادمين من جنوب الصحراء. من الواضح أن الجزائر والمغرب ترفض مثل هذه الأفكار. بالنسبة لتونس وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوى يقول إن المسالة لم تعرض على بلاده بصفة رسمية حتى تعلن موقفا باتا منها لكنه لم يتردد في التأكيد على رفض تونس لفكرة ما سُمي ب"منصات إنزال المهاجرين غير الشرعيين، أوإقامة مخيمات احتجاز على أراضيها مضيفا في حديث صحفي: «لا نقبل بفتح مثل هذه المنصات لاستقبال أوتجميع المهاجرين غير الشرعيين، ونرفض تماما إقامتها فوق أراضينا»، وومعربا عن اعتقاده بأن "مثل هذه الفكرة لن تحل المشكلة، ذلك أنها تقوم على ترحيل أونقل المشكلة من البحر إلى الأرض».لكن الأهم من ذلك هوالمقاربة التي تطرحها تونس لمعالجة ملف الهجرة. أوربا تتخوف من الهجرة وتضع لها الحواجز بأنواعها المختلفة والمتعددة وتواجهها بالوسائل الامنية وحتى الحربية في حين أنها ظاهرة طبيعية تعايش معها الإنسان منذ آلاف السنين. ومن طبيعة الإنسان إذا ما انسدت أمامه ابواب الرزق في الارض التي ولد فيها وترعرع أن يبحث عن وسائل العيش في أرض الله الواسعة ومهما كانت الحواجز فهويتخطاها ويصل إلى مبتغاه حتى وإن كان الثمن حياته. ولم يحدث أن كانت الهجرة سببا في تفقير الشعوب أوفي افتكاك خيراتها اللهم إلا إذا أخذنا في الاعتبار الغزوات التي تتم للنهب والقتل ولكن ذلك لم يعد متفشيا في عصرنا الحاضر. إن الهجرة تمكن من الموازنة بين البشر والخيرات المتاحة وهوما يسهم في إفشاء الأمن والسلم بين بني الإنسان كما أنها عنصر اساسي في استخراج الخيرات وتثمين الإمكانيات ولولم تكن الهجرة لما وجدت دول كبرى في عالمنا اليوم ومنها أكبر دولة في العالم الولاياتالمتحدةالأمريكية وأخرى لا تقل أهمية مثل كندا وأستراليا. إن أوربا تتوجس خيفة من الهجرة وهي تتوزع بين دول خائفة على هويتها المسيحية مثل المجر وبولونيا وأخرى نشأت فيها أحزاب يمينية متطرفة أخذت الحكم على اساس رفض الآخر وكراهية الأجنبي وتترعرع بمثل هذه الاطروحات العنصرية وهي متواجدة حاليا في إيطاليا والنمسا ولها تداعيات في دول أخرى بما في ذلك في المانيا حيث أن شقا من المحافظين المسيحيين لم يغفروا للمستشارة انجيلا ميركل ما اعتبروه سياسة سخية نحوالمهاجرين لما فتحت أبواب بلادها لقبول أعداد كبيرة من اللاجئين القادمين من مناطق الحرب في سوريا والعراق، مما مثل تدفقا غير معهود للمهاجرين نحوالقارة العجوز. إن كل المعطيات الديمغرافية تبين أن أوروبا ستكون في حاجة إلى المهاجرين بسبب قلة الولادات وتنامي الشيخوخة وهي ظاهرة أصبحت واضحة للعيان وباعتبار أن بلدان إفريقيا الشمالية بصدد إنجاز ما يسمى الانتقال الديمغرافي والمتمثل في انحسار الولادات نتيجة ارتفاع مستوى المعيشة فإن الحل الوحيد هوالتفكير في جلب العمالة بما في ذلك الكفاءات في التخصصات المختلفة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ولا مناص لأوروبا إلا القبول بمقاربة تقوم على اساس تسهيل الهجرة وترتيبها وتنظيمها. ولكن الرأي العام في الاتحاد الاوربي الذي يخاف المساس من رفاهيته لا يرغب في هذه المقاربة ولا يوجد مجتمع مدني قوي بما فيه الكفاية ليدفعه نحوتغيير نظرته للهجرة والمهاجرين، لا سيما أن قوى سياسية يمينية متطرفة أضحت تسيطر على الساحة السياسية بشكل واضح وجلي في أغلب البلدان الأوروبية إن لم نقل كلها. لقائل ان يقول لماذا لا تقبل تونس بإحداث منصات لتجميع المهاجرين عبر البحر في أماكن معلومة كمخيم الشوشة التي تم فتحه إثر تدفق اللاجئين من القطر الليبي الشقيق إثر ثورة 17 فبراير 2011 وقد شهد الجميع بكفاءة التونسيين في معالجة الظاهرة إذ امكن لها قبول ملايين من البشر دون أن يحدث ذلك الهرج والمرج الذي تشهده بلدان اوروبية تصلها بعض المئات فترفض قبولهم تحت ذرائع متعددة. وإن أوربا مستعدة دون شك أن تقدم أموالا بإحجام كبيرة مقابل ذلك كما فعلت مع تركيا بخصوص اللاجئين السوريين حيث قدم الاتحاد الأوربي لأنقرة 3 مليار يوروكما تم وعدها برفع التأشيرات على المواطنين الاتراك في افق معلوم. قد يكون مفيدا لتونس ان تنخرط في هذه السياسة ولكن ذلك يتنافى مع مبادئها ومنها بالخصوص عدم التدخل في شؤون الغير واحترام سيادة الدول والشعوب الاخرى وخاصة الرفض القاطع لان يكون بلادنا حارسا في المنطقة لحدود بلدان أخرى.