وسط حضور جماهيري كبير نصفه من السياح الإيطاليين احتضن المسرح الروماني بالجم، مساء السبت عرضا للأوبرا العالمية الشهيرة «أوبرا عايدة» وذلك في نسخة هي الاولى في تونس حيث جمعت الى جانب العازفين الإيطاليين، عازفين من الأوركسترا السمفوني التونسي. تونس «الشروق»: وأنت تترجل بجوار المسرح الأثري بالجم، يوم السبت الماضي، لا يمكن أن تمر مرور الكرام دون أن تتساءل عن سرّ التواجد الأمني المكثف، والحافلات المحيطة بالمسرح، وبمجرد أن تطرح السؤال، تلخّص لك الإجابة في كلمتين لا أكثر: «أوبرا عايدة»، أما إذا كنت مدعوا إلى هذا العرض أو اقتنيت تذكرة دخول له، فسيفاجئك الإقبال الكبير على العرض، فمنذ الساعة الثامنة والنصف ليلا، بدأت مدارج المسرح تمتلئ، ومع اقتراب موعد انطلاق العرض، تتلخص لك ميزة العرض. فأنت في حضرة المسرح الروماني بالجم، لمتابعة «أوبرا عايدة» العرض العالمي الذي قام بتأليفه الموسيقار الإيطالي«فيردي» سنة 1870 بطلب من الخديوي إسماعيل، مقابل 150 ألف فرنك من الذهب، لتكون الأوبرا جاهزة في افتتاح دار الاوبرا الخديوي، وذلك احتفالا بافتتاح قناة السويس، كما أنك ستجد نفسك وسط جمهور نصفه من التونسيين ونصف الآخر تقريبا من الإيطاليين الذين قدم عدد كبير منهم إلى الجم خصيصا لمشاهدة «أوبرا عايدة». أوبرا عايدة وللتذكير تم اكتشاف مخطوطات اوبرا عايدة من قبل عالم الآثار الفرنسي «اوجست ماريتا» في وادي النيل، والمخطوطة عبارة عن قصة من 4 صفحات، ألف قصتها ميريت باشا عالم المصريات الفرنسي الشهير، وكتب نصها الغنائي الليبرتوجيسلا نزوني وبعد ترجمتها سلمت إلى الموسيقار الإيطالي جويسابي فيردي سنة 1870 ليقوم بتأليف اوبرا عايدة بطلب من الخديوي إسماعيل، لكنها لم تجهز وقدمت لاحقا. اوبرا عايدة هي عمل درامي موسيقي يتخلله حوار غنائي، تعرض لوحات غنائية ودرامية وبعض اللوحات الراقصة يتخللها أغاني موسيقية متوزعة على 4 فصول تجسد الصراع بين الواجب والعاطفة، لأنها تحكي عن قصة الحب التي نشأت بين الأسيرة الحبشية «عايدة» وقائد الجيش المصري «راداميس»، الذي حكم عليه فرعون مصر بالإعدام بعد أن ثبتت عليه محاولة الهرب مع عايدة إلى الحبشة، قدمت اوبرا عايدة لأول مرة سنة 1871 على مسرح دار الاوبرا القديمة الخديوي ولم يتمكن فيردي من الحضور، وعرضت في أوروبا لأول مرة على مسرح لاسكالا في إيطاليا في شهر فيفري من سنة 1872. سمفونية إيطالية تونسية «أوبرا عايدة» في تونس، اعتبره الجمهور التونسي والمسؤولون عن الثقافة، حدثا استثنائيا وحضره كل من السيد محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب، ووزير الشؤون الثقافية الدكتور محمد زين العابدين وسفير إيطاليابتونس، لورنزو فانارا، وبالعزف الأركسترالي للنشيدين الوطنيين التونسي والإيطالي، استهل العرض، بقيادة المايسترو الإيطالي أندريا سيريتا ومقدمة من رافايلي دي فلوريو، لتنطلق رحلة الغوص في قصة الحب الدرامية على خشبة المسرح، في تناغم وانسجام كبيرين بين المعزوف والمنشود والمجسد على الركح الذي أحاط الأركستر السمفوني المتكون من عناصر إيطالية وأخرى تونسية من أبناء الأركستر السمفوني التونسي وأركستر أوبرا تونس. وجسد الحوار الغنائي في قصة الحب الشهيرة، عدد من مغني السوبرانو فجسدوا أبطالها من عايدة، الأميرة الحبشية (الأثيوبية) وحبيبها «راداميس»، الضابط المصري زمن الحرب بين الشعبين، وبقية الشخصيات المتداخلة في هذه القصة الشيقة والمثيرة، والنادرة، والتي ظلت من أروع المآثر الفنية العالمية ومازالت إلى اليوم تجسد في أكبر مسارح الأوبرا في العالم. وبعيدا عن المقارنات مع ما قدم سابقا من تجسيد لأوبرا عايدة يبقى تجسيد هذه الأوبرا في تونس حدثا هاما جدا بعد افتتاح قاعة أوبرا بمدينة الثقافة بتونس، ورغم ما تطلبه هذا العمل من إمكانيات، فإن تجسيده في نسخة مشتركة تونسية إيطالية، نال إعجاب الجمهور التونسي والإيطالي، وكان تنفيذه موسيقيا ناجحا حسب أهل القطاع ممن حضروا ومن بينهم وزير الشؤون الثقافية، وهذا في حد ذاته إنجاز على أمل أن نرى لاحقا أعمالا تونسية صرفة في ظل تواجد الأركستر السمفوني التونسي وأركسترا أوبرا تونس على ذمة مسرح أوبرا تونس. أوبرا عايدة ستقدم في عرض ثان على خشبة المسرح الروماني في قرطاج وذلك يوم 5 جويلية الجاري.