اشتدت ازمة العطش في عدة مناطق من البلاد بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة. هذه الازمة تبدو في طريقها نحو مزيد الاستفحال وفقا لتقديرات متابعين لها متوقعين زيادة في حجم الاحتجاجات الرافضة للعطش طيلة الصيف. تونس «الشروق» تزايد عدد الاحتجاجات الاجتماعية الرافضة للعطش امس الاول الاثنين ووصل الامر حد غلق الطريق السيّارة الرابطة بين تونس وصفاقس بعد اقدام اهالي منطقة الكساسبة على غلق الطريق السيّارة -على مستوى محول بومرداس- بسبب تواصل انقطاع مياه الشرب وعدم استجابة السلطات لمطلبهم. أغلق متساكنو «طينة» الطريق الوطنية الرابطة بين ڤابس وصفاقس احتجاجا على تواصل انقطاع مياه الشرب لليوم العاشر على التوالي. كما قطع اهالي حي التحرير بغنوش (ڤابس) الطريق الرئيسية على مستوى مفترق السجن المدني بسبب تواصل انقطاع الماء الصالح للشراب واغلق اهالي المساحلة الطريق الرابطة بين الروحية ومكثر لذات السبب. هذه الاحتجاجات وصفها علاء المرزوقي رئيس المرصد التونسي للمياه ب»غير المسبوقة» إذ لم يحدث ان تم تسجيل عدد هام من التحركات الاحتجاجيّة في عدد من المناطق في يوم واحد تماما كما حدث عشية الاثنين الماضي. كما قال المرزوقي ل»الشروق» «منذ ان أسسنا المرصد كنا نرصد معدلا شهريا للاحتجاجات الرافضة للعطش لا تتجاوز 30 تحرّكا احتجاجيا لكن هذه الاحتجاجات بلغت 82 تحرّكا خلال شهر جوان في مختلف المناطق كما بلغت خلال الثلاثة ايام الاولى من شهر جويلية الجاري 21 تحرّكا احتجاجيا. ويتوقع نشطاء المرصد التونسي للمياه زيادة كبرى في عدد الاحتجاجات الرافضة للعطش خاصة امام اهتزاز خدمات شركة توزيع واستغلال المياه من حيث عدم الاعلام المبكر للحرفاء بخصوص انقطاع المياه وتوقيت عودتها وسرعة تدفق المياه عند العودة ففي الغالب «يرجع الماء ضعيف». أزمة مسؤولية هذه الازمة هي ليست بالجديدة بل هي مستجدة وقد فسرها المسؤولون في اكثر من مناسبة بندرة الموارد المائية في تونس خاصة مع انخفاض مستوى التساقطات الا ان هذه التبريرات لا تبدو مقنعة بالنسبة للكثير من الخبراء في الموارد المائية بل هم يوجهون إصبع الاتهام الى شركة استغلال وتوزيع المياه (صوناد) بسوء التصرف في الموارد المائية وكذلك بغياب البرنامج الاستراتيجي الذي يتصدّى للعطش خاصة وان العطش ليس بوضع مفاجئ بل هو وضع متوقع منذ سنوات في دراسات رسمية اكدت ان تونس ستفتقد الكثير من ثروتها المائية بحلول العام 2030. هذا الوضع تسبب في حراك اجتماعي ضد العطش واجهته الحكومة والسلطات المحلية والجهوية بذات الرتابة في مواجهة الاحتجاجات الاجتماعية والحال ان المطلب مختلف فالعطش لا يتطلب انتظارا ولا تفاوضا فهو مطلب حياتي لا يحتمل تجاهلا ولا مراهنة على الإنهاك ولا محاكمات الا ان السلطات تتجه نحو تجريم هذه الاحتجاجات والدخول في طور جديد من محاكمات العطش. ففي منطقة عين عسكر ببئر مشارڤة من ولاية زغوان اغلق مواطنون الطريق الوطنية عدد 37 بتاريخ 25 جوان رفضا للعطش وطلبا لتوفير مياه الشرب فكان رد السلطات ايقاف سبعة محتجّين وفي اليوم التالي قطع الاهالي الطريق وفي ذات الاماكن مطالبين السلطات بتبني مطلبهم الحياتي واطلاق سراح الموقوفين او ايقافهم جميعا. امّا في المظيلة وبعد تحرك احتجاجي ضد العطش وصلت الى المحتجين والذي يقدّر عمر أصغرهم ب55 سنة استدعاءات للتحقيق لدى المصالح الامنية. وتعليقا على هذه المحاكمات قال علاء المرزوقي «اشعر احيانا ان المسؤولين يعيشون في عالم مواز اي ان اعلمت المسؤول ان المياه مقطوعة يقوم بتكذيبك وحين تعلمه بتحرك احتجاجي ضد العطش يصف المحتج ب»المخرب». في دراسة خاصة بالحوض المنجمي : الماء غير صالح للشراب وليس هناك نقص في الموارد يجري اليوم في قفصة تقديم دراسة حول «الماء والعدالة الاجتماعية في الحوض المنجمي» وهي دراسة الاولى من نوعها التي تربط بين مورد طبيعي والعدالة الاجتماعية. وقد حصلت «الشروق» على معطيات أولية من الخبير في التنمية المستديمة وفي الموارد المائية حسين رحيلي المشرف على اعداد هذه الدراسة مفادها انه ليس هناك اي نقص في الموارد المائية في الحوض المنجمي اذ يتم استغلال ما بين 70٪ و82 ٪ فقط من الموارد السطحية منها والعميقة وان شركة فسفاط قفصة تستغل لوحدها 48 ٪ من هذه الموارد. كما جاء في نتيجة سبر الآراء الذي تضمنته الدراسة ان 98 ٪ من المستجوبين في الحوض المنجمي يعتبرون ان الماء الصالح للشراب غير صالح للشراب ولا يشربونه بل ان القادر منهم يقتني المياه المعدنية ومن لا يستطيع ذلك يشتري المياه التي تبيعها السيّارات كما ان 70 ٪ من المستجوبين لا يستعملون مياه «الصوناد» في الطبخ وبالتالي يرى اغلب الناس في الحوض المنجمي ان مياه « الصوناد» لا تصلح سوى للغسيل وتنظيف المنزل. كما كشفت الدراسة المذكورة ان ابرز اسباب الانقطاع تعود الى ضعف الاستثمار وتغوّل شركة فسفاط قفصة على حساب «الصوناد» وكذلك طول الاجراءات لاصلاح الاعطاب وضعف التدخل كما اتضح ان هناك مواطنين بصدد سرقة مياهها عبر الربط المباشر مع القنوات الرسمية وهو امر يمكن ان يكون تم بالتواطئ في ظل انتشار الفساد اذ لا يعقل لاي كان ان يتولى الربط المباشر بالقنوات الرسمية. واكد حسن رحيلي ان معدل التدفق وفقا ل»الصوناد» يخرج في حدود 40 مترا مكعبا في الثانية لكنه يصل في حدود 25 مترا مكعبا في الثانية فقط !. واكد الخبير رحيلي ان ازمة المياه في تونس ليست ازمة موارد بقدر ما هي ازمة سوء تصرف في الموارد بالاضافة الى تقادم التجهيزات. المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الاحتجاجات ستتّجه نحو العنف حذّر رمضان بن عمر متحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من سوء ادارة ازمة الاحتجاجات ضد العطش قائلا «سبق وان قلنا ان العطش اخد العناوين الكبرى للحراك الاجتماعي وقد عرفنا تغيرا في الخطاب الرسمي حيث استمعنا الى تصريحات تؤكد ان تونس في مرحلة الشح المائي لكن هذا الخطاب الرسمي تحدث عن الازمة دون ان يعطينا بدائل ولم ينتقد السياسات المائية المعتمدة». واكد بن عمر ان الاحتجاجات ضد العطش لا يمكن التعامل معها بنفس اساليب التعامل مع بقية الاحتجاجات لان المياه مسالة اساسية ويجب على السلطات ان تغير من تعاملها مع هذه الاحتجاجات .