قتل الأبناء لآبائهم حالات مأساوية، وجرائم لا يتقبلها العقل ولا الإنسانية، يتغير وضع الوالدين من مصدر للحنان والشعور بالأمان بالنسبة لأبنائهم إلى عدو يكنون له حقدا يصل إلى القتل؟.. قضية في غاية الخطورة تحتاج إلى نظرة متأملة من طرف الجميع لتقصي الأسباب. تونس – الشروق: قتل شاب لوالدته والتنكيل بجثتها الأسبوع الماضي, جريمة بشعة هزت تونس, سبقتها جرائم مماثلة في حق الآباء والأمهات والجدات ولعل أبشعها تلك التي اقترفتها شابة من الساحل التونسي في حق جدتها المسنة وقبل أعوام اهتزت ولاية أريانة على وقع جريمة قتل أتتها امرأة في مقتبل العمر في حق والدتها وابنها, والحوادث عديدة في هذا السياق بالإضافة إلى جرائم العنف المادي واللفظي التي قام بها الأبناء تجاه آبائهم وأمهاتهم تبرز مدى انتشار ظاهرة عقوق الوالدين وتجرؤ الخلف على السلف دون التفكير في العواقب الدينية والدنيوية... أسباب نفسية واجتماعية يقول الدكتور عماد الرقيق المختص في علم النفس والأعصاب، إن جرائم قتل الأبناء لآبائهم وأشقائهم والعكس موجودة منذ بدء الخليقة مستدلا على ذلك بقصة قتل قابيل لشقيقه هابيل و التي تعد أول جريمة قتل في تاريخ البشرية، وأضاف أن تلك الحالات قليلة ولكن إذا لم يتم التصدي لها ستؤدى إلى انتشار تلك الحالات وستكون ظاهرة. وأضاف الدكتور عماد الرقيق، أن الأطفال المهملين والذين يسيء الوالدان معاملتهم ولا يكون لديهم إلا خيارات محدودة هم من يقومون بمثل هذه الجرائم الاجتماعية، كما أن لهم سمات شخصية تتلخص فى ظهور علامات العنف الأسري، من حاولوا الحصول على مساعدات لكن جميعها باءت بالفشل، من حاول الهرب أو الانتحار والمنعزلون عن أقرانهم، من يشعرون بقلة الحيلة وعدم القدرة على تغيير أحوالهم المنزلية، حيث إنهم ينظرون لجريمة القتل على أنها حل مريح لجميع الأطراف المعنية. وأشار إلى أن أغلب الحالات يكون الأبناء في مرحلة المراهقة أو سنوات الشباب الأولى ودون العشرين سنة ، ولا يكون لدى الأطفال والمراهقين عموما إدراك واضح عن مفهوم الموت، كما يجدون صعوبة كبيرة في قبول أن أفعالهم قد تؤدي إلى نتيجة لا رجعة فيها، على عكس الكبار الذين يقتلون آبائهم، حيث يختلف الأمر لدى المراهقين الذين يتحولون إلى جناة عندما تكون الأحوال الأسرية بالبيت لا تطاق ولا يمكنهم احتمالها والبدائل أمامهم تكون محدودة ومن أكثرها شيوعا هو القتل. وبين أن هناك ثلاثة أنواع ممن يقومون بتلك الجرائم وهم الأطفال الذين يتعرضون للمعاملة شديدة السوء تتخطى كل الحدود من جانب والديهم، ومن يعانون من اضطرابات عقلية حادة، والطفل المدلل الذي يعانى من اتجاهات معادية للمجتمع. وأكد أنه لكي يتجنب المجتمع وقوع الأبناء في جريمة قتل الوالدين، فنحن بحاجة ملحة لتعليم الوالدين مهارات تربية الأبناء ودعمهم، بالإضافة إلى إخضاع الوالدين لدورات تدريبية يتعلمون من خلالها كيف يتعاملون مع الضغوطات الحياتية التي تواجههم وكيفية تنشئة الأبناء بالشكل الصحيح، والعمل على توفير الطرق المناسبة للتعامل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، تواصل الآباء مع علماء النفس والاجتماع بالبحث المكثف لتقديم المعلومات الضرورية حول إدارة البيت، الأسرة وتربية الأبناء. كما أكد على ضرورة تحسين الوالدين مهارات التواصل المجتمعي وتقوية الروابط العاطفية الصحية، فكلما قوي الارتباط العاطفي بين الأبناء ووالديهم قلت مستويات الجريمة أو الانحرافات الاجتماعية، إضافة إلى دعم الأطفال في كل المراحل العمرية عن طريق الدورات المدرسية التي تحفزهم على فتح قلوبهم والشكوى إذا تعرضوا لأي إساءة حتى يمكنهم الحصول على المساعدة المطلوبة. التوعية والتحسيس من جهته أشار الشيخ الزيتوني لطفي الشندرلي مدير المركز الدولي لحوار الحضارات والتعايش السلمي. إلى أن ظاهرة عقوق الوالدين والتعدي عليهم لفظيا وماديا واقتراف جرائم القتل والتنكيل بهم موجودة في تونس والعالم العربي والعالم بصفة عامة. ومن أسباب هذه الظاهرة الخطيرة النشأة الأولى و تربية الأطفال في وسط عائلي سيئ.بالإضافة إلى غياب المعالجة الناجعة من البداية والتي يجب أن تكون معالجة اجتماعية وفكرية. وتناول القضية خاصة من الجانب الديني وتبيان تأثيرها السلبي والخطير على الحياة الدنيوية وفي الآخرة على مرتكبي الجريمة سواء كانت عقوقا أو قتلا أو معاملة سيئة.فحسن تربية الأبناء ومراقبة الآباء لأبنائهم وتربيتهم في الإطار السليم من شأنه أن يحد من ظاهرة عقوق الوالدين. الظاهرة موجودة ولها عدة أسباب نفسية واجتماعية وفكرية, ولسائل أن يسأل لماذا يتجرأ الأبناء على الاعتداء على الأب أو الأم؟ الجواب هو الآتي: نفسانيا عندما يكون الابن أو البنت يعاني من مرض نفساني أو يشكو من خلل في السلوك والنفسية ويعيش اضطرابات سلوكية تدفعه لاقتراف عديد الجرائم في حق والديه وعائلته, ويمكن أن يكون متعمدا ولا يعاني من أي اضطرابات. أما اجتماعيا فإن انتشار الفقر وتغلغله في المجتمع والبطالة وانسداد الأفق مهنيا واجتماعيا إلى جانب الانتشار الواسع لاستهلاك المخدرات و خاصة الزطلة تجعل الشباب المراهق أكثر عنفا ونقمة على المجتمع وعلى الوالدين بصفة خاصة فتكثر حالات الاعتداء التي يقوم بها الخلف على السلف. وفكريا يعتبر غياب الموعظة وغياب الكلمة الطيبة والحنان من قبل بعض الأولياء وخاصة الآباء في تعاملهم مع الأبناء الشرارة الأولى لاشتعال جذوة الكراهية والحقد من قبل الأبناء تجاه الآباء. وللحد من هذه الظاهرة الخطيرة على القضاء القيام بدوره الردعي الفعال لا بد من تشديد الحكم في ما يتعلق بالعملية البشعة ضد الوالدين المتمثلة في العقوق. أما المجتمع المدني وخاصة الجمعيات ووسائل الإعلام من خلال المنابر الإعلامية القيام بدورهم التوعوي والتحسيسي وتأثيث برامج دينية ترتكز على المواعظ الحسنة وإحياء الوازع الديني وتقوية الخطاب الديني.