دراسة تكشف: 63 جريمة قتل في شهرين.. منها 23 جريمة عائلية تطوّر مثير في نسب قتل الزوجات وأسباب تافهة تودي بحياة الوالدين إعداد: منية العرفاوي غريبة وصادمة ومقززة.. تلك الجرائم التي تقترف في اطار العائلة.. زوج يجهز على زوجته وأم أولاده بطريقة بشعة ودون أن يرف له جفن لأن الحياة أصبحت قاسية وانسدت في وجهه الآفاق وفي لحظة فقد صوابه وتلطّخت يداه بدماء شريكة العمر.. زوجة تطعن زوجها في مقتل لأنه منعها من زيارة أهلها أو شك في سلوكها أو عجز عن توفير حاجياتها المختلفة.. ابن يهشّم رأس والده أو والدته لأنها لم تعطه مالا لشراء المخدرات أو لتأمين عملية حرقان.. كل ما تقدّم غيض من فيض العناوين الكبرى التي تصدّرت الصفحات الأولى للجرائم وكشفتها البرامج التلفزية المشخصّة لجرائم واقعية.. لكن كيف يستطيع زوج أو زوجة أب أو أم.. ابن أو ابنة إزهاق روح أقرب الناس اليها؟ انها الجرائم التي تهتز لها السماء وترفضها كل الأديان ويشيب لها الولدان.. مقترفوها هواة قتل ومبتدئون في عالم الجريمة.. جرائمهم قد تكشف فيما بعد مرضا نفسيا أو قد تؤدّي بهم الى الاكتئاب الشديد وعقدة الذنب كثيرا ما تدفعهم للانتحار أو محاولة الانتحار.. "الصباح الأسبوعي" سلّطت الضوء على جريمة القتل العائلي.. الجريمة الغامضة والقاسية.. غياب للإحصائيات الرسمية الدكتور سامي نصر الدكتور في علم الاجتماع والناشط في حقوق الإنسان والذي أنجز دراسات اجتماعية كثيرة من بينها دراسة موجهة لجرائم القتل العائلية يقول: "ما يلفت الانتباه أكثر هو تعدد جرائم القتل التي يكون فيها الجاني والضحية من نفس العائلة". غياب الاحصائيات لم تمنع الدكتور نصر من إعداد دراسة باعتماد ما عرض على الدوائر القضائية من جرائم مرتكبة في اطار زمني يمتد على شهرين (مارس وفيفري) ويقول: "سجلنا خلال هذه الفترة الوجيزة ما لا يقل عن 63 جريمة قتل نقلت تفاصيلها العديد من صحفنا اليومية والأسبوعية، منها ما لا يقل عن تسع جرائم قتل لم تُحدد فيها بعد هوية الجاني. وما أصبح يشدّ الانتباه حقا هو تفاقم الحالات التي يكون فيها الجاني والضحية من نفس الأسرة. وسجلنا في هذا الإطار ما لا يقل عن 23 جريمة قتل. قاتلون غير محترفين ويؤكّد نصر "لقد أصبح هذا الصنف من الجرائم يحتل صدارة ما ينشر بصحفنا، إذ شهدت بلادنا في الفترة الأخيرة خمس جرائم كان الأب هو الضحية. ومن جهة أخرى ارتفعت جرائم قتل الزوجات بشكل مثير، واحتلت صدارة جرائم القتل الأسرية بنسبة تفوق 35%. ومن جهة أخرى سجلنا ما لا يقل عن أربع حالات كان فيها الزوج هو الضحية". ويضيف الدكتور نصر "لقد انكبّ العديد من المختصين على دراسة هذه الظاهرة وتحديد دوافعها، فقد كشفت مؤخرا دراسة شملت مائة وستين مبحوثاً من نزلاء السجون الذين أدينوا بارتكاب جرائم من هذا النوع في ثلاث دول عربية هي تونس ومصر والأردن أن دور الأصدقاء كبير في ارتكاب هذا الصنف من الجرائم التي بلغت نسبتها 17.5% من إجمالي المبحوثين". ويختم د.سامي نصر بقوله: أكّدت العديد من الدراسات في هذا المجال أن مرتكبي جرائم القتل عادة لا يكونون من المجرمين المحترفين فجرائمهم عادة ما تكون نتيجة حالة توتر تجعلهم يفتقدون قدرتهم على التحكم في تصرفاتهم وانفعالاتهم. كما نستنتج مما تقدّم أن تفشي جرائم القتل بين أفراد الأسرة الواحدة هو امتداد طبيعي لتفاقم ظاهرة العنف بين مختلف أفراد المجتمع..".
رأي علم الإجتماع :القاتل.. شخصية تصنعها الظروف وتشكلها الطفولة المأساة تبدأ عندما يصرخ الشاب في وجه والديه "لماذا أنجبتموني.. لماذا أنتما فقيرين معدمين" أو عندما يرمي أحد الزوجين بمسؤولية الفشل العائلي على شريكه.. بلعيد أولاد عبد الله المختص في علم الاجتماع يروي قصة مؤلمة عن أم اتصلت به وقالت أن ابنها يهددها بالقتل لأنها لم تستطع هي ووالده أن يوفّرا له ثمن "الحرقة" ولذلك يقول د. اولاد عبد الله "لا يمكن الحديث عن جرائم القتل في العائلة بمعزل عن سياقها الاجتماعي، ولتفسير الظاهرة اتصلنا للغرض بالمختص في علم الاجتماع بلعيد أولاد عبد الله فأكّد أنه لا يمكن الحديث عن جرائم القتل في معزل عن سياق سوسيولوجي يبدو أكثر بروزا بعد الثورة ويتلخّص في تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وذلك بازدياد معدلات البطالة وتفشي ظاهرة الانفلات الأمني والذي بدوره يؤدي إلى انتشار أكثر للمواد المخدّرة، كل هذه الإشكاليات كانت موجودة قبل الثورة لكن احتدت بعدها وبالتالي عندما تحتدّ أزمة غلاء المعيشة فان ذلك سينعكس على العائلة وعلى العلاقات الأسرية التي قد يشوبها التوتر والعنف وتنعدم بذلك سبل الحوار وينتفي التواصل.. فالشباب العاطل والذي قد يلجأ للمخدرات للتنفيس عن أزمته ويأسه قد يجد نفسه بلغ درجة من الاحتقان والغضب التي قد تدفعه لاقتراف أبشع الأفعال بدوافع مختلفة والثورة في مرحلة منها كانت متنفسا لغضب هؤلاء الشباب لكن بقاء الأمور على حالها وتدهورها أحيانا دفعت بالكثيرين الى مرحلة من اليأس والنقمة على المجتمع وحتى على الوالدين إذ يحملونهم مسؤولية الفقر والفاقة التي يعيشونها وينشأ صراع داخلي بين ما تقدّمه وسائل الإعلام مثلا عن رفاهية الغير واستمتاعه بالحياة وبملذاته وبين واقع معاش مزري ومأساوي يؤدي في النهاية الى خلق شخصية غاضبة و"متفجّرة" وعنيفة لها قدرة على قتل أكثر المقربين إليها.. كما وأن سوء معاملة الأطفال في الصغر قد تصنع شخصية "انفجارية" في الكبر وتصل الأمور الى حدّ القتل".
حكم قتل النفس في الإسلام قتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، وهو ذنب عظيم موجب للعقاب في الدنيا والآخرة وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) سورة النساء/93. عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعُقوق الوالدين، وقول الزور، أو قال: وشهادة الزور". وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً". وقد فسّر ابن العربي ذلك بقوله: "الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره".
.. ما بعد القتل :اكتئاب.. محاولات انتحار متكررة.. انتحار أن يقتل ابن أمّه التي وهبته الحياة أو يزهق روح والده الذي كدّ وجدّ من أجل أن يؤمّن له احتياجاته، تبقى من أبشع وأشنع الجرائم والتي لا تقبل التبرير أو الصفح أو الغفران، عن هذه الجرائم وغيرها تقول الأخصائية النفسية مريم صمود "كأخصائيين نفسيين لا تثير هذه الجرائم الفظيعة والعنيفة "دهشتنا" أو استغرابنا.. فنظرية التحليل النفسي لفرويد تقوم على فرضية نفسية مبنية على عقدة أوديب /وعقدة ألكترا.. فالأسطورة الإغريقية تقول أن أوديب قتل والده (لم يكن يعرفه عندما قتله) بدافع من اللاوعي مبني على الغيرة والتنافس من أجل أمّه، والذي تزوّجها فيما بعد وعندما اكتشف حقيقة كون زوجته هي والدته في نفس الوقت فقأ عينيه.. وعقدة أوديب كامنة في وعينا وهي عقدة لم تحلّ مع الثورة، فقد ينظر إلى والده كونه "خصمه" في علاقته بوالدته ورغبته الدفينة في امتلاكها لنفسه (شعور فطري) هذا الشعور قد يتحوّل الى شعور مرضي يدفعه حتى لقتل والده لأسباب تافهة ظاهريا لكن في عمق الشخصية لها جذورها ودوافعها.."، سألنا الدكتورة صمود عن سبب الوحشية التي تتميزّ به اغلب هذه الجرائم في إطار علاقات كان من المفروض أن تكون محكومة بشحنة عاطفية، فأفادتنا: "القتل بطريقة وحشية يعكس إصرارا على نجاعة وشحنة الغضب والعنف، هنا تكون كبيرة.. وبالتالي تختلط المشاعر الوجدانية بين الحبّ الشديد التي قد تتحوّل إلى مقت وكره شديدين كجرائم الشرف التي قد يقع "تفهّمها" اجتماعيا لكن تبقى لها أسبابها العميقة مثلها مثل الجرائم المبنية على العاطفة أو الغيرة". وتضيف د.صمود الجرائم العائلية نجد لها كذلك أسبابا أخرى أهمها وأبرزها إدمان المخدرات أو الخمر..". وفي الختام حاولنا أن نتعرّف عن نفسية القاتل بعد ارتكابه لجرمه وبقطع النظر عن العقوبة التي أنزلت به فأكّدت الأخصائية النفسية مريم صمود: "قد نكتشف بعد عملية القتل أن القاتل هو شخصية بسيكوباتية وهي شخصية ترفض المجتمع، وإجرامه ناتج عن اضطراب نفسي (القاتل المتسلسل) وعموما فان هذا النوع من القتلة لا يشعر بشيء ولا ينتابه أي شعور بالندم.. لكن من يقتل عن قصد أو دون قصد قد ينتابه شعور عميق بالندم بعد ذلك وهذا الشعور قد يدفعه إلى الدخول في حالة اكتئاب وعقدة الذنب قد تدفعه الى الانتحار أو محاولات انتحار كثيرة.