يقترح مهرجان الحمامات الدولي في دورته الرابعة والخمسين، مساء الجمعة المقبل، عرضا لمسرحية مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف، «القادمون» اخراج سامي النصري، وذلك احتفالا بخمسينية تأسيس فرقة الكاف. تونس «الشروق»: وسام المختار سامي النصري مخرج المسرحية تحدث ل«الشروق» عن هذا الانتاج الجديد لمركز الكاف، حيث قال إن مسرحية «القادمون» مقتبسة عن ديوان الزنج لعز الدين المدني، وتجمع على الركح كلا من نور الدين الهمامي والمنجي الورفلي ولزهر فرحاني وسيف الدين الشارني ومحمد شوقي خوجة وناجي الشابي وضو خلف الله. وتتناول مسرحية «القادمون» مسألة الحكم في العهد العباسي وتغوص في متاهات السلطة وإشكاليات التسلط بين حكم الشعب وحكم العسكر، هذا التقديم كان منطلق سؤالنا عن الفكرة الأساسية التي شارك فيها سامي النصري كلا من رياض السمعلي ونور الدين الهمامي كتابة سيناريو المسرحية إن صح التعبير، فأجاب: « الفكرة الأساسية للعمل هي إعادة طرح إشكاليات التهميش الاجتماعي والسياسي بالتوازي مع تغيرات اقتصادية يعيشها المجتمع». تهميش الجنوب «وما حكاية التركيز على «الجنوب» في المسرحية؟» قاطعنا محدثنا، فكانت إجابته كالآتي: «الجنوب عاش خلال سنوات طويلة هزات اجتماعية خاصة بعد الاستقلال وتوترات وانتفاضات أثرت في عمق الوعي لدى الناس هناك بالتهميش وبالمعاناة، رغم الثراء الثقافي والاجتماعي ورغم الدور التاريخي للجنوب في أحداث كبرى عاشها البلد.. ورغم الثراء المادي الذي يحتويه الجنوب من الثروات ورغم الامتداد الجغرافي، ورغم أنها مناطق حدودية فاصلة هامة.. إلا أن هذا الجنوب مازال يرضخ تحت بنية مهترئة ولم يحظ بالمكانة التي يستحق على الأقل في وعي الجنوبيين بشكل عام». واعتبر سامي النصري أن هذه الأرضية النفسية، تستحق اهتماما أكبر من السلطات ووعيا أوسع وأعمق بأهمية العمل على تجاوزها في مخططات التنمية وتوزيع الثروة، مضيفا، استنادا إلى قصة المسرحية: «إن شخصية صابر بالأكحل هذا الممثل الذي يغادر الفرقة التي تكوّن فيها وأبدع من خلالها أعمالا مسرحية والتحاقه بأحداث الجنوب، وانخراطه في الحراك الشعبي، يعطي الانطباع بعمق هذا الاحساس بالتهميش وبعدم توفق المثقف في قيادة أطروحات أخرى تقف ضد العنف وتؤطر هذا الحراك الذي يمكن أن يتحول إلى فوضى عارمة في كل وقت، وهنا ثمة فرق بين المثقف العضوي والمثقف الذي ينحاز إلى وهج اللحظة وعاطفة الانتماء إلى المجموعة». التاريخ يعيد نفسه وبالعودة إلى نص مسرحية «القادمون» وعلاقتها بنص المدني، أوضح محدثنا أن العمل يأخذ فكرة هذا الحراك من نص ديوان الزنج لعزالدين المدني الذي تحدث فيه عن ثورة الزنوج في جنوبالبصرة في القرن الرابع الهجري وسيطرتهم على مدن بأكملها غير أن هذه الثورة تنتهي فاشلة لأن ميكانزمات القيام بالثورة ليست هي ميكانزمات الحكم لذلك تعجز المجموعة «علي بن محمد» في تسيير دواليب الحكم وتلتجئ إلى السلطة المركزية للتفاوض معها والاقتراض منها في مرحلة أولى لبناء المدينة المختارة وهي الحيلة التي استطاع «العباسيون» (في المسرحية) بها أن يقضوا على هذه الثورة لأنهم على علم بأن المال لن يشفع للحاكمين الجدد في الاستجابة لتطلعات الشعب مما يضطرهم للقبول والاعتراف مجددا بالحكم العباسي. وتابع سامي النصري: «في القادمون إعلان طلب الانفصال بالنسبة للثوار واجهه انتقاد ورفض من قبل مثقفي الجنوب الذين انحازوا إلى شرعية المطالب بالحقوق وتحسين ظروف عيش الناس ومواجهة تسلط السلطة الجديدة الراغبة في خدمة مصالحها السياسية والعسكرية من خلال هذا الإعلان. رؤية النصري للوضع العام التونسي وإجابة عن سؤالنا بخصوص رؤيته كمثقف لما يحصل في تونس من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، اعتبر مخرج «القادمون» أن ما يقع اليوم يؤسس بشكل ما إلى انهيارات أخرى في القيم الوطنية وغيرها إذا لم تطرح هذه البدائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية للحوار وللتبني مع فهم طبيعة هذا الشعب وثقافته والتوجه نحو أرضيات ثقافية جديدة تكون لها ريادتها في التأسيس لمرحلة جديدة تحترم فيها القوانين والمؤسسات وتوضح فيها ملامح الحقوق والواجبات. وشدد النصري على أن كارثة اليوم ليست في حدث 2011 بل في استتباعات الصراع بين المركزي والهامشي، وبين القديم والجديد، وبين الحق والواجب، وبين الأخلاقي واللاأخلاقي، وهو ما ينبئ بأن الأزمة قد تتحول إلى كارثة ف»القادمون» تنبئ وتلمح وتحذر من إمكان ضياع هذا الحلم في تغيير حقيقي تنشده المجموعة وقد يؤسس لمسار جديد وهذا النقد نوجهه للسطات وللمنظومات عموما يتجاوز نقل الصورة والمشهد إلى فعل تنبئي قد يكون سواده هو عين البياض والخلاص أيضا، حسب تعبيره.