أثارت العملية الإرهابيّة التي استهدفت دوريّة حدودية في منطقة عين سلطان بجندوبة الكثير من التساؤلات بخصوص توقيت وقوعها وحصيلتها من أرواح وعتاد في الوقت الذي عمّ فيه الاطمئنان تجاه الحرب على الإرهاب. تونس الشروق: كشفت عملية عين سلطان - التي راح ضحيتها الأحد الماضي6 أعوان من الحرس الوطني في كمين غادر لمجموعة إرهابيّة تولّى عناصرها الاستيلاء أيضا على أسلحة الشهداء- الكثير من الغموض بخصوص الأسباب المباشرة وغير المباشرة لوقوع هذه العملية الارهابيّة. وانتصب محللون يرجحون الكفة الى مؤامرة مدعومة اقليمية للإطاحة بالحكومة الحالية. وعلى الضفة الثانية من النهر تمسك طيف آخر من المحللين بالقول إن الارتباك صلب وزارة الداخلية اثر إقالة الوزير وإجراء تغييرات على مستوى المناصب الحساسة أسهم في ارتباك الأداء الميداني للأمنيين أي أن الأزمة في قمة الهرم انعكست سلبا على الميدان. وتناسى الكثيرون الحديث عن الإرهابيين كعدو ما يزال يتمركز في الجبال الغربية. ويلملم نفسه رغم الضربات الموجعة التي تلقاها خلال السنوات الأخيرة. بل ربّما استغل عناصره تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبحث عن حاضنة شعبية تأويه في محيط الجبال والقرى المنسية. طمأنينة منح الانتصار الساحق لقواتنا الأمنية والعسكرية في ملحمة بن قردان في مارس 2016 ضد تنظيم "داعش" الارهابي والذي حاول عناصره السيطرة على المدينة طمأنينة كبرى لدى التونسيين. وذهب ظن البعض الى أن الظاهرة الارهابيّة ولت عن البلاد دون رجعة خاصة مع تتالي الانتصارات الأمنية منذ مارس 2016 والى غاية اليوم رغم حادثة الأحد الأسود الغادرة الا أن مجمل الدراسات التي اشتغلت على الظاهرة الارهابيّة أكدت أن هذه المجموعات العقائدية العنقودية في أغلبها تتجدد. ولا تموت بشكل نهائي. وإنها تحكم استغلال التوقيت لتنفيذ عملياتها. وإنها تفضل خاصة بعد ظهور تنظيم "داعش" الارهابي تنفيذ عملياتها بشكل ممسرح واستعراضي لاستغلال ذلك في حربها النفسية على الأنظمة. وخير دليل على ما نقول الشكل الاستعراضي الذي اتخذته أغلب عمليات الاغتيال والإعدام الجماعي التي نفذهاعناصر "داعش" الارهابي ضد أمنيين وعسكريين ومواطنين في سوريا والعراق وكذلك ذبح الاقباط المصريين في ليبيا. كما أن هذه الجماعات تستغل وجود الأزمات للتمعش منها ومزيد إثارة الفوضى والارتباك. وهو تقريبا ما حصل في عملية عين سلطان التي يبدو أنها تأجلت بالنسبة للارهابيين منذ حوالي 6 أشهر. اذ سبق لدورية الحرس الوطني التفطّن في جانفي الماضي الى عناصر إرهابيّين تترصدهم. وتم إحباط هذا المخطط الارهابي في أكثر من مناسبة. لكن حصل الغدر منتصف نهار الأحد بعد كمين نفذته المجموعة الارهابيّة. كما أصدرت "خلية عقبة بن نافع" المتحصنة بالمرتفعات الغربية والتي بايعت تنظيم "القاعدة" بيانا مثيرا للجدل عمّق الشكوك والغموض حول العملية التي مازال البعض يحسبها ضمن مؤامرة تحاك ضد الحكومة تحت غطاء الارهاب. اذ تضمن البيان تنصيصا على كلمة "شهيدات" وتقديم هذه الكلمة عن كلمة شهداء وكذلك الحديث عن "استرجاع ثروات البلاد". بيان قرأ فيه البعض تغييرا في طبيعة العناصر الجديدة التي قد تكون عززت التنظيم خلال السنتين الأخيرتين وبالتالي برز ارتباكها في بيانها فيما اعتبر البعض الآخر أن محتوى البيان كتب بطريقة مستفزة لمزيد إثارة البلبلة حول العملية. فهذا هو بالضبط ما يطلبه الإرهابيون. أمر واقع بلا شك استغلت "كتيبة عقبة بن نافع" الارهابيّة الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد وأساسا وزارة الداخلية لتنفيذ عمليتها الارهابيّة. وذلك ردّا على ما لحقها من خسائر في قياداتها وعناصرها وكذلك في محاولة لفك الخناق حول مراكز تواجدها. وهي التي أصبحت تفتقد الى الأسلحة وللمؤسسة وفقا للتقارير الأمنية بسبب حالة الحصار التي تفرضها السلطات الأمنية والعسكرية في المناطق المشتبه في تواجد إرهابيين بها. كما أن الحرب على الإرهاب تبدو غير نابعة من استراتيجية واضحة لمكافحة الارهاب. فهذه الحرب وجب أن تكون على مختلف الأصعدة. وليس فقط التركيز على الجانب الأمني فقط. وهو تحديدا ما ذكره تقرير مركز البحوث الأمريكي "كارنجي" حول الارهاب الصادر نهاية شهر جوان المنقضي. وجاء في التقرير الصادر تحت عنوان "تمرد الجهات الحدودية الغربية" أن الجيش والحرس يواجهان تنظيمين شرسين يتنقلان عبر الحدود التونسية الجزائرية، "كتيبة عقبة بن نافع" التابعة لتنظيم "القاعدة" و"جند الخلافة" المرتبط بتنظيم "داعش". وإن التنظيمين وإن لم يربحا الحرب فإنهما لم يخسرانها. بل إن عدد الارهابيين قد تضاعف منذ 2011. وذكر أيضا أن المجموعات الارهابية قد استفادت من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة لأربع ولايات حدودية. وهي القصرين وقفصة وجندوبة وايضا سيدي بوزيد كي تبني حاضنة شعبية تمكنها لا فقط من العيش بل كذلك من مراقبة القوات المسلحة. وخلص التقرير الى القول بأن النجاحات التي حققتها تونس في مواجهة الارهاب تبقى هشة إذا لم يقع إشراك المواطنين هناك ومعالجة أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. فالحرب على الإرهاب لا تكون فقط أثناء أو بعد وقوع العملية الارهابيّة. بل هي عمل متواصل ومتنوع وفيه مقاربة شاملة فيها ماهو تنموي واجتماعي وثقافي وتوعوي وأمني تجنبا لتحويل الأماكن المنسية في الحدود الغربية الى حواضن شعبية لتفريخ الارهابيين. فبن قردان نجت من المخطط الداعشي بالتفاعل الايجابي بين القوات الأمنية والعسكرية والأهالي. وخاب ظن الارهابيين في أن بن قردان يمكن أن تكون حاضنة شعبية لهم. وتبقى الظاهرة الارهابيّة أمرا واقعا. وتونس يمثلها تنظيمان إرهابيان هما "داعش" و"القاعدة". وقد أحبطت الانتصارات الأمنية كل نوايا التقارب بين التنظيمين اللذين على عكس ما يحصل في سوريا والعراق لم يتقاتلا في تونس. بل إن "القاعدة" ربما سعت الى ما يسمى بالتوحيد. وربما تأتي العملية الأخيرة في إطار إثبات وجود بالنسبة الى"القاعدة".