في الوقت الذي تنبأ فيه الكثير من الفنيين و»المُنجمين» العرب والغرب بسيطرة «القوى العُظمى» على الكأس العالمية المُقامة في الملاعب الروسية ظهرت «المُعجزة» الكرواتية بقيادة النجم المُميّز «مودريتش» الذي يختزل لوحده قصة النجاح والكفاح التي يعيشها الفريق في الفترة الحالية. «لوكا مودريتش» عاش طفولة «مأساوية» زمن «الحَرب» الضارية في بلاده والتي فرضت عليه «شُرورها» آنذاك بأن يكون في لائحة اللاجئين هذا دون أن تُحبط عزيمته وتطفىء شعلة الحماس لديه. وإستطاع ذلك الشاب «الضّعيف» وصاحب الوجه الشاحب أن ينتزع مكانا في عالم كرة القدم التي أكدت للمرة الألف بأنها تعشق «المُحاربين» وهي صفة متوفرة في «لوكا» وفي سائر زملائه في المنتخب وفيهم بطل موقعة الأنقليز «ماريو ماندزوكيتش» الذي تجرّع في صغره من نفس الكأس التي شرب منها «مُودريتش» الذي قال مؤخرا إن الأولوية في الكأس العالمية للفريق الوطني لا للجوائز الفردية التي كانت تشغل «ميسي» و»رونالدو» و»نيمار»... وغيرهم من «النّجوم» التي إنطفأت في المونديال أمام اللُحمة الجماعية وهي من المُقوّمات الأساسية في كرواتيا حتى أن مدربها «داليتش» أقصى لاعبه «كالينيتش» أثناء التظاهرة العالمية نتيجة «تمرّده» على خياراته وإلحاحه على المشاركة في التشكيلة الأساسية. روح المجموعة القرار الجريء للمدرّب بمباركة من «الرئيس - الكَوارجي» «سوكر» وأيضا التصريح الذي أدلى به «مودريتش» يعكسان روح المجموعة في هذا الفريق الذي «تَعملق» أمام «كبار» اللّعبة وبلغ الدور النهائي شاطبا من قاموسه الأفكار الإنهزامية مُحطّما كلّ النظريات التاريخية والجغرافية التي يزعم أصاحبها بأنه لا حظ ل «الصّغار» في المجد العالمي في ظل وجود «أمم» كبيرة على كلّ المستويات الكروية والمالية وحتّى الديمغرافية. (مساحة كرواتيا حوالي 56 ألف كلم مربّع ويبلغ عدد سكّانها حوالي 4 ملايين نسمة). وبالعودة إلى المدرب «داليتش» نلاحظ أنه يشترك مع لاعبيه بل «مُحاربيه» في الإيمان بأن النجاحات تُولد من رحم المُعاناة. ذلك أن قائد «الكروات» تحمّل الهجرة إلى القارة الآسياوية وإختار الإشراف على حظوظ بعض الأندية السعودية والإماراتية بدل أن ينتظر فرصة العمل في أوروبا أويسلك الطريق السّهل ويدخل عالم التحليل كما يفعل الكثير من «الكَوارجية» التونسيين والعرب ممّن فضّلوا بيع الكلام على إثبات الذات في الميدان الذي يقول يا سادة يا كرام إن كرواتيا هي فعلا فريق ب»سبع رئات» كما أطلق عليها البعض في إشارة إلى العطاء البطولي للاعبين في الوقت القانوي وأثناء الحصص الإضافية حتّى أن «بروزوفيتش» ركض في لقاء أنقلترا 16 كيلومترا في ظرف 120 دقيقة في الوقت الذي قطع فيه الرجل «الثلاثيني» «مُودريتش» 63 كيلومترا في كلّ المقابلات التي خاضها في المونديال الرّوسي. ونبقى مع المدرب «داليتش» لنشير إلى أنه ذهب إلى آسيا وعاد محمّلا بالألقاب والإعجاب ولم تَفسد طموحاته ومشاريعه بفعل «البترودولار» الذي دمّر الكثير من العقول. وقد وجد «داليتش» نفسه على رأس منتخب بلاده عن جدارة وإستحقاق وبلغ معه «فينال» المونديال في أقل من عام في الوقت الذي يؤكد فيه بعضهم أن تحقيق الإنسجام بين «الكَوارجية» والظّفر بنجاحات عالمية يحتاج إلى جيل أوجيلين آخرين. يا للسخرية. السيّدة الرئيسة الدرس الكرواتي لم يقتصر على الميدان بل أنه جاء من رئيسة الجمهورية «كوليندا» التي ارتدت البدلة الرياضية وتحوّلت إلى الملاعب الروسية لتكون اللاعب رقم 12 للفريق دون الحاجة إلى الطائرة الرئاسية والحراسة الشخصية (على عكس البعثة التونسية المدجّجة بعدد من أصحاب العضلات المفتولة لتأمين سلامة معلول والجريء وإغماض العيون عن سهرات صيام بن يوسف). «كوليندا» أصبحت أشهر من نار على علم بفضل الإنتصارات الكرواتية التي كانت أنجع وسيلة لصناعة الفرح في «زغرب» ولمعالجة جانب مهمّ من المشاكل السياسية والإقتصادية في البلاد خاصّة أن صورة الرئيسة المصنّفة ضمن قائمة «أقوى» 40 امرأة في العالم ليست بتلك المثالية التي قد يتصوّرها الكثيرون بما أن بعض الجهات تعتقد بأنها إستثمرت الجلد المنفوخ لمآرب دعائية وإنتخابية. كما لم يُفوّت البعض الفرصة للربط بين ظهورها في المونديال والرغبة في إزالة كلّ «الشّبهات» في علاقتها مع الوجه الرياضي الفاعل و»الهَارب» بفعل قضايا الفساد «مَاميتش» الذي تسبّب في المتاعب كذلك ل «مودريتش» على خلفية الأبحاث الجارية في صَفقة إنتقاله في السابق من البطولة الكرواتية إلى «البروميارليغ». وبعيدا عن هذه النقاط الخلافية والقضايا الجانبية في صفوف الجماهير الكرواتية لا جدال في أن هذا المنتخب لم يهتد إلى طريق المجد بضربة حظ أوبفضل اليد الطويلة ل «ماميتش» وإنّما بالعمل المتواصل والإيمان بأنه لا مستحيل في عالم الكرة.