تعددت في الآونة الأخيرة جهود الحكومة من اجل تعبئة موارد مالية خارجية وهو ما انتقده الملاحظون باعتباره سيزيد من اثقال كاهل الدولة بالتداين الخارجي خصوصا إذا لم تحسن الحكومة استغلالها. تونس(الشروق) إضافة الى قرض صندوق النقد الدولي الذي يجري صرفه منذ حوالي سنتين على أقساط، تسعى الحكومة باستمرار للحصول على تمويلات وقروض مختلفة من عدة اطراف مالية دولية. وجاءت الزيارة الاخيرة التي اداها وفد متكون من ثماني مؤسسات مالية مانحة الى تونس لتؤكد هذا التمشي المتواصل من الحكومة نحو التداين الخارجي لمجابهة ما تقول انه صعوبات في مجال المالية العمومية. الخبراء والمخصون الاقتصاديون وكذلك شق من السياسيين ينتقدون باستمرار هذا التمشي بالقول انه سيجعل من الدولة مرتهنة للخارج وان الأجيال القادمة ستجد نفسها مطالبة بخلاص ديون حكومات المرحلة الحالية. غير ان الحكومة وشقا آخر من المتابعين يرون انه لا مفر من هذا التمشي بعد ان بلغت البلاد مرحلة الخطر اقتصاديا وماليا الى جانب مرحلة صعبة اجتماعيا وسياسيا..ويضيفون بالقول ان التداين معمول به في عدة دول بما في ذلك الدول المتقدمة التي تفوق فيها نسبة الديون احيانا 100 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. لكنهم ينبهون من جهة اخرى من خطر انفاق مبالغ هذه القروض في مجالات غير منتجة على غرار الاجور والدعم وتوريد المواد الاستهلاكية. وهو ما وقعت فيه اغلب الحكومات المتعاقبة بعد الثورة وآن الأوان للتخلص من هذه العادة مع الحكومة الحالية ولو بصفة تدريجية. حيث ينصح الخبراء بأن تشرع الحكومة في التحكم على الوجه الأكمل في المبالغ التي تحصل عليها وذلك عبر تحويلها الى اموال منتجة خاصة من خلال التكثيف من الاستثمار في القطاعين العام والخاص خاصة في المناطق الداخلية لتوفير مواطن الشغل ولتحريك عجلة الاقتصاد. كما يجب استغلال هذه التمويلات ايضا للرفع من سعر صرف الدينار عبر التدخلات المالية المختلفة بعد ان اتضح ان انهياره كان السبب الابرز في ما آل اليه الوضع الاقتصادي اليوم. وبالتوازي مع ذلك يجب على الحكومة اتخاذ اجراءات مرافقة للمحافظة على هذه التمويلات من الانفاق في غير الاستثمار، كأن يقع ترشيد الواردات غير الضرورية وعموما ترشيد نفقاتنا من العملة الصعبة الى جانب التسريع باستكمال المشاريع الاستثمارية الجارية والشروع في مشاريع جديدة والتشجيع على المبادرة الخاصة وترشيد نفقات الادارة. ومن الاجراءات الاخرى الضرورية ايضا مزيد محاربة الفساد وتوفير اموال اضافية للميزانية من المتهربين من الضرائب فضلا عن مكافحة التهريب. كما ينصح الخبراء الحكومة ايضا بان تحسن التعامل مع المسالة الاجتماعية من خلال الضغط على الأسعار ومحاربة كل اسباب غلاء المعيشة مع العمل على تحسين الاجور وتحقيق شيء من الهدوء الاجتماعي وذلك لضمان الحركية الاستهلاكية ولتطوير الانتاجية والمردودية ومن ورائها الحركية الاقتصادية برمتها ويمكن ايضا مزيد تحسين القطاعات التي شهدت تحسنا مثل السياحة والفسفاط لتوفير اموال اضافية للخزينة. فبذلك يمكن الاستفادة من التمويلات والقروض الخارجية مثل ما هو الحال في الدول الاخرى التي تقترض هي الاخرى لكنها توجه القروض نحو الاستثمار والانتاج. اما اذا واصلت الحكومة في منهج سابقاتها اي انفاق ما حصلت عليه من دعم خارجي عبر القروض والتمويلات المختلفة في الاستهلاك غير المنتج فان ذلك لن يزيد الا في اغراق البلاد بالديون وقد يأتي يوم لن تقدر فيه الدولة على سداد ديونها وعلى الايفاء بتعهداتها وعندئذ ستكون العواقب وخيمة.