يمثل الدين الخارجي احد أهم الحلول التي يعتمدها الاقتصاد لتعويض النقص في التمويل الداخلي غير ان القروض القادمة عادة من الدول الغنية لفائدة الدول الفقيرة أصبحت يوما بعد تمثل مشكلا اقتصاديا يهدد التنمية في البلدان المدينة. حيث يضطر البلد الدائن إلى دفع خدمة الدين (مبلغ مالي يدفعه البلد المدين كل سنة ويتكون من جزء من أصل الدين إضافة إلى الفائدة) وهو ما يمثل اقتطاع جزء من الثروة التي أنتجها الاقتصاد لسداد الدين عوض أن تستغل في شكل استثمارات جديدة لمزيد إنتاج الثروة وهو ما يضعف قدرات الاقتصاد. ويفسر المفكرون الاقتصاديون لجوء البلدان إلى التداين الخارجي بضعف تشكل رأس المال نتيجة ضعف الادخار الناتج عن ضعف الدخل خاصة في حال الدول التي لا تمتلك ثروات طبيعية كالبترول أو المعادن. وأمام ضعف التمويل الداخلي تضطر بلدان إلى التداين الخارجي لتمويل الاستثمار. ويتوزع هذا التداين إلى قسمين يمثل الأول الدين العمومي الذي يضم كل ديون القطاع العام ويمثل الثاني الدين الخاص الذي يضم كل ديون القطاع الخاص. موجة من الديون المشروطة يرى البعض أن الديون الخارجية كانت أمرا إجباريا حتمته الظروف العالمية وسيطرت الدول الغنية على مصادر الثروة. حيث تقوم الامبريالية باستنزاف خيرات الشعوب ثم بإعادة إعطاء تلك الثروات في شكل ديون مشروطة تفرض على البلدان الفقيرة البقاء في واقع من التخلف. واتهم أصحاب هذا الرأي المؤسسات المالية العالمية وخاصة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بإغراق البلدان الفقيرة بديون مشروطة لم تساعدها على تحقيق النمو الاقتصادي وهو ما يجعلها في تبعية دائمة. لذلك فقد دعا هؤلاء وهم أساسا المجموعات الفكرية المعادية للعولمة إلى إلغاء هذه الديون. غير أن البعض الأخر يعتبر أن الديون الخارجية حل ممكن وان الدول التي تعتمد منوال تنمية علمي ومناسب تستطيع تحقيق النمو المنشود خاصة أن الدين عموما لا يمثل عائقا أمام النمو بل قد يمثل حلا لنقص التمويل الداخلي وتعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكية مثالا حيا على منافع الدين الخارجي حيث يدين الاقتصاد الأقوى في العالم إلى بقية الدول بقيمة 14.7 ألف مليار دولار أمريكي دون أن يؤثر هذا الرقم المهول في النمو الاقتصادي. ومن وجهة نظر اقتصادية فان إلغاء الديون قد يمس من مصداقية البلد المدين أمام بقية العالم، وقد يعطل إمكانية حصوله على قروض في المستقبل. كما أن فكرة إلغاء الديون مطروحة فقط بالنسبة للدين العام لأنه الوحيد الذي يخص الدولة أما الدين الخاص فهو أمر موكول إلى الخواص. ديون تونس غير مفزعة ولكن... وبالنسبة إلى تونس لا يمثل حجم الدين الخارجي في الأحوال العادية مؤشرا مقلقا لأنه ضعيف نسبيا مقارنة بالناتج المحلي الخام حيث لم يتجاوز في أسوء الأحوال نسبة 55 بالمائة وهو وضع مطمئن نسبيا. غير أن المقلق في الدين الخارجي التونسي هو ثقل خدمة الدين التي تقدر ب3.269 مليار دينار (اكثر من عشرة بالمائة من الميزانية واقل بكثير من 30 بالمائة الذي يعتبر حاجز الخطر) على الاقتصاد خاصة في هذا الظرف الصعب حيث تمثل نسبة مهمة من الثروة المنتجة تذهب لتسديد الديون وهو ما يجعل تونس في نفس الحلقة المفرغة التي تتميز بالتداين ثم توظيف النمو لتسديد الدين ثم التداين لتغطية العجز في التمويل ثم خلاص الدين والعودة للتداين. وللخروج من هذه الحلقة المفرغة وإيجاد حلول لتمويل الاستثمارات اقترح الاتحاد العام التونسي للشغل عدم سداد الديون الدين العمومي الثنائي وتحويله إلى استثمارات وهو مقترح رأى فيه عد من الخبراء وجاهة ومعقولية خاصة وان فرنسا الدائن الأبرز لتونس في مجال التعاون الثنائي حيث بلغ حجم الدين التونسي لفائدة فرنسا 459 مليون دينار سنة 2010 بنسبة 14 بالمائة من مجموع الدين العمومي الثنائي. وعموما فان قدر الدول الفقيرة التي لا تملك ثروات طبيعية أن تتداين ولا يرى الخبراء حلا عن التداين سوى التوجه نحو الاستثمار في قطاعات تنتج قيمة مضافة عالية وهي أساسا التكنولوجيات الحديث.